الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
وغير الأب، والجد لا يتولى طرفي عقد المعاوضة المالية؛ لأن حقوق العقد ترجع إلى العاقد فيصير الواحد طالبا مطالبا ومستلما ومتسلما وهكذا الحال وكذا الأب، والجد قياسا وهو قول زفر رحمه الله ويجوز استحسانا وهو أنه لكمال شفقته قام مقام شخصين وعبارته مقام عبارتين ورأيه مقام رأيين فجعل كأنه باعه منه وهو بالغ وهو يتحمل لحق الأبوة لحقوق العقد نيابة عنه حتى إذا بلغ الصغير كانت العهدة على الصغير وفيما إذا باع ماله لأجنبي فبلغ الصغير كانت العهدة على الأب بطريق التحمل لا بحكم العقد لا يؤدي إلى الاستحالة. ولو اشترى مال ولده الصغير أو باع ماله منه بغبن يسير صح ويكفيه أن يقول بعته منه أو اشتريته له؛ لأن كلامه قائم مقام كلامين ولأن نفس القبول لا يعتبر، وإنما يعتبر الرضا ولهذا ينعقد بالتعاطي من غير إيجاب وقبول وقد وجدت دلالة الرضا. ولو وكل رجلا بأن يبيع عبده من ابنه الصغير أو يشتري عبده الصغير له ففعل لا يصح العقد لكمال هذه الشفقة فلا يمكن إلحاقه بالأب فبقي على أصل القياس إلا إذا كان حاضرا وقيل إنه يجوز وتكون العهدة من جانب الابن على أبيه أو من جانب الأب على الوكيل؛ لأن تصرف الأب لنفسه، فإنه مباح وللصغير فرض؛ لأنه من باب النظر فيجعل الأب متصرفا للصغير تحقيقا للنظر. ولو وكل رجلا ببيع مال ولده فباع من موكله أو باع الوالد مال أحد ولديه بمال الآخر أو أذن لهما فيه أو لعبديهما أو جعل لكل واحد منهما وكيلا ووصيا صح ولو أذن لهما أو لعبديهما أو وصيهما فتبايعا لم يجز؛ لأنهما استفادا ولاية التصرف عنه وهو لا يملك بنفسه فكذا الصبيان بخلاف ما لو أذن الأب؛ لأنه لو فعل بنفسه صح، فإذا فعل بإذنه وصح بيع الوصي ماله من الصبي وشراؤه منه بشرط نفع ظاهر وهو أن يبيع ما يساوي درهمين بدرهم وقيل ما يساوي ألفا بثمانمائة وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يجوز لما مر من الاستحالة وله أن الوصي مختار الأب ولكنه قاصر الشفقة فعند أبي حنيفة النظر يلحق بالأب ويروى رجوع أبي يوسف رحمه الله إلى قول أبي حنيفة رحمه الله وفي الجامع الكبير، وإن باع بمثل القيمة أو بأقل من قيمته بحيث يتغابن في مثله جاز. وفي جامع الفتاوى الأب إذا أذن لابنيه في التجارة ثم أمر رجلان أن يشتري من أحدهما شيئا للآخر لا يصح إذا كان هو المعبر عنهما، وإن عبر عن أحدهما، والآخر عن نفسه جاز وفي الخانية وليس للصبي أن يزوج أمته في قول الإمام، والثالث لا يزوج أمته من عبده عند الكل وفي الذخيرة، وإذا حجر عليه القاضي أو الأب أو الوصي صار محجورا وكذا إذا مات الأب أو الوصي محجورا عليه، وإذا أذن لعبده ابنه ثم مات الابن ورثه الأب صار محجورا عليه. وفي المحيط، وإذا باع صبي محجور عبده بألف درهم وضمن رجل للمشتري الدرك ثم دفع الثمن فاستحق العبد رجع المشتري بالثمن على الكفيل ولو دفع الثمن ثم ضمن لم يرجع؛ لأن الكفالة قبل قبض الثمن صحيحة وبعده فاسدة؛ لأن الثمن بعد قبض الصبي أمانة عنده؛ لأنه قبضه بإذن المالك قال ادفع الثمن للصبي ليكون أمانة عنده على أني ضامن لك فيصير مستقرضا للمال من المشتري ثم أمر بدفعه إلى الصبي فينوب قبض الصبي عن قبض الضامن أولا ثم يصير قابضا لنفسه. ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم. أورد الغصب بعد الإذن في التجارة لوجهين: أحدهما أن الغصب من أنواع التجارة مآلا حتى صح إقرار المأذون به ولم يصح بدين المهر من أنواع التجارة دون الثاني إذ المغصوب ما دام قائما بعينه لا يكون الغاصب مالكا لرقبته فصار كالعبد المأذون فإنه غير مالك لرقبته وما في يده من مال التجارة لأنه قدم الإذن في التجارة لأنه مشروع من كل وجه والغصب ليس بمشروع كذا في النهاية ونظر في هذه المناسبة بأن الغصب عبارة عن إزالة اليد والإزالة ليست من أنواع التجارة والذي أرى أن وجه المناسبة ما ذكره صاحب غاية البيان حيث قال المأذون يتصرف في الشيء بالإذن الشرعي والغاصب يتصرف لا بالإذن الشرعي فبينهما مناسبة المقابلة بالكلام في الغصب من وجوه: الأول في معناه لغة. والثاني في ركنه. والثالث في شرطه. والرابع في صفته، والخامس في حكمه والسادس في أنواعه والسابع في دليله والثامن في معناه عند الفقهاء فهو في اللغة عبارة عن أخذ الشيء على وجه الغلبة والقهر سواء كان متقوما أو غيره يقال غصبت زوجة فلان وولده ويطلق على حمل الإنسان على فعل ما لا برضاه يقال غصبني فلان على فعل كذا وركنه إزالة اليد المحقة وإثبات اليد المبطلة شرطه كون الغاصب قابلا للنقل وللتحويل وصفته أنه حرام محرم على الغاصب ذلك وحكمه وجوب رد المغصوب إن كان قائما ومثله إن كان هالكا أو قيمته وأنواعه وهو على نوع يتعلق به المأثم وهو ما وقع عن علم أنه مال الغير ونوع لا يتعلق به المأثم وهو ما وقع عن جهل كمن أتلف مال غيره وهو يظن أنه له ودليله قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} ومعناه عند الفقهاء ما سيذكره المؤلف قال رحمه الله: (هو إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة في مال متقوم محترم قابل للنقل) فقوله هو إزالة اليد المحقة أخرج زوائد المغصوب فإنها غير مضمونة لأنه ليس فيها إزالة وكذا لو غصب دابة فتبعتها أخرى أو ولدها لا يضمن لعدم الإزالة، وقوله: في مال شمل المال المتقوم وغير المتقوم وبقوله محترم أخرج الخمر والخنزير إذا كان لمسلم، فإنه لا يكون غاصبا وبقوله محترم أخرج مال الحربي، فإنه غير محترم وقوله قابل للنقل أخرج العقار ولا يخفى أن هذا التعريف غير جامع ولا مانع أما كونه غير جامع، فإنه لا يشمل ما إذا قتل إنسان إنسانا في معاركة وترك ماله ولم يأخذه، فإنه يكون غاصبا إذ لم تزل يد المالك ولم تثبت يده لأنه لا يشمل ما إذا غصبها من يد المستأجر أو المستعير أو المرتهن أو المودع أو غصب مال الوقف مع أنه لم تزل اليد المحقة وأفتى الإمام ظهير الدين أنه لا يضمن، فإن الغاصب في هذه الحالة لم تزل يده يد المالك هنا بناء على عدم كونه في يده وقت الغصب وإزالة اليد فرع تحققها فيزاد في التعريف وبعضه ولذا قال في المحيط البرهاني الغصب شرعا أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يد المالك إن كان في يده أو تقصير يده إن لم يكن في يده. وأما كونه غير مانع، فإنه يصدق على السرقة فيزاد في التعريف على سبيل المجاهرة ولذا قال في البدائع على سبيل المجاهرة أخرج السرقة قال في الهداية بغير إذن المالك قال صاحب الإصلاح والإيضاح بغير إذن قال في شرحه وإنما لم يقل بإذن مالكه؛ لأن كون المأخوذ ملكه ليس بشرط لوجوب الضمان، فإن الموقوف مضمون بالإتلاف وليس بمملوك أصلا صرح به في البدائع قال رحمه الله: (والاستخدام والحمل على الدابة غصب)؛ لأنه باستخدام عبد الغير أو الحمل على دابة الغير بغير إذن المالك أثبت فيه اليد المتصرفة ومن ضرورة إثبات اليد إزالة يد المالك عنه فيتحقق الغصب فيضمن أطلق في الاستخدام فشمل ما إذا استخدمه في حاجة نفسه أو غيره وإنما يكون غاصبا في الأول وقال في فتاوى أهل سمرقند هذا إذا استعمله في أمر من أمور نفسه أما إذا استعمله لا في أمر نفسه لا يصير غاصبا. ا هـ. واستعمال عبد الغير غصب علم أنه للغير أو لم يعلم فلو جاء وقال أنا حر فاستعمله كان غاصبا له وفي فتاوى أهل سمرقند إذا قال لعبد الغير: ارق هذه الشجرة فأت بالمشمش لتأكل أنت فوقع من الشجرة فمات لم يضمن الآمر، وفي السراجية وقيل يضمن ولو قال لآكل أنا وباقي المسألة بحالها يضمن وفي الخانية رجل أرسل غلاما صغيرا في حاجة بغير إذن أهله فرأى الغلام غلمانا يلعبون فانتهى إليهم وارتقى شجرة فوقع ومات ضمن الذي أرسله؛ لأنه غاصب له بالاستعمال وفي الينابيع لو استخدم عبد غيره أو قاد دابته أو ساقها أو ركبها أو حمل عليها شيئا بغير إذن المالك ضمن سواء عطبت في تلك الخدمة أو غيرها ولو أبق العبد في حال الاستخدام ضمنه وفي أجناس الناطفي إذا استعمل العبد المشترك بغير إذن شريكه روي عن محمد لا يصير غاصبا وروى هشام أنه يصير غاصبا نصيب صاحبه وفي الدابة يصير غاصبا نصيب صاحبه بالحمل والركوب وفي الروايتين فظاهر عبارة المتن أنه يصير غاصبا بنفس الحمل حولها عن مكانها أو لا قال في فتاوى أبي الليث ركب دابة بغير إذن مالكها ثم نزل عنها وتركها في مكانها ذكر في آخر كتاب اللقطة أنه يضمن والصحيح أنه لا يضمن حتى يحولها وفي الغياثية هو المختار وفي المنتقى لا ضمان على رجل تعدى على ظهر دابة ولم يحولها عن موضعها وجاء رجل آخر وعقرها فالضمان على الذي عقرها وفي أجناس الناطفي رجل يكسر الحطب فجاء غلام وقال: اعطني القدوم حتى أكسر أنا مكانك فأبى صاحب الحطب فأخذ الغلام القدوم فكسر فضرب فوقع بعض المكسور على عين الغلام لا يكون على صاحب الحطب شيء. ولو وجه جارية إلى النخاس ليبيعها فبعثتها امرأة النخاس في حاجتها فهربت فالضمان على المرأة وفي فتاوى أبي الليث جارية جاءت إلى النخاس وطلبت البيع ذهبت ولا يدري أين ذهبت وقال النخاس رددتها على مولاها فالقول له والمعنى أن النخاس لم يأخذ الجارية ومعنى الرد أمرها بالذهاب إلى منزل السيد فلو أخذها النخاس أو ذهب بها إلى منزل مولاها فلا يصدق قوله رددتها فلو قال رحمه الله: وبالاستخدام له والحمل والتحويل لكان أولى لما علمت قال رحمه الله: (لا الجلوس على البساط)؛ لأن الجلوس على بساط الغير ليس بتصرف فيه ولهذا لا يرجح به المتعلق به عند التنازع ما لم يصر في يده والبسط فعل المالك فبقي أثر يد المالك فيه ما بقي فعله لعدم ما يزيله من النقل والتحويل قال رحمه الله: (ويجب رد عينه في مكان غصبه) لقوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى ترد» أي على صاحب اليد ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لأحد أن يأخذ مال أخيه لاعبا ولا جادا وإن أخذه فليرده عليه» والمعنى أنه لا يريد أن يأخذه سرقة ولكن يريد إدخال الغيظ عليه و؛ لأنه بالأخذ فوت عليه اليد وهي مقصودة؛ لأن المالك يتوصل بها إلى تحصيل ثمرات الملك من الانتفاع والتصرف ولهذا شرعت الكتابة والإذن مع أنها لا تفيد سوى اليد فيجب عليه نسخ فعله دفعا للضرر عنه وأتم وجوهه رد عينه في مكان غصبه؛ لأن المال يختلف باختلاف الأماكن ورد العين هو الموجب الأصلي؛ لأنه أعدل ورد القيمة أو المثل مخلص فيصار إليه عند تعذر رد العين ولهذا لو أتى بالمثل أو القيمة عند القدرة على العين لا يعتد به ولو رد العين من غير علم المالك برئ منها ولو لم يكن هو الموجب الأصلي لما برئ إلا إذا علم وقبضه كما في قبض المثل أو القيمة وقبل الموجب الأصلي وهو المثل أو القيمة ورد العين مخلص ولهذا لو أبرأه عن الضمان حين قيام العين يصح حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك. والإبراء عن العين لا يصح ولو كان للغاصب نصاب ينتقص به كما ينتقص بالدين فدل على أن الواجب المثل أو القيمة ووجوب رده في مكان غصبه مقيد بما إذا لم يتعين بزيادة أو نقصان كما سيأتي وكذلك يجب أداء القيمة في مكان غصبه ففي الخانية رجل غصب عبدا حسن الصوت فتغير صوته عند الغاصب كان له النقصان ولو كان العبد مغنيا فنسي ذلك عند الغاصب لا يضمن الغاصب وفي المنتقى غصب من آخر دواب بالكوفة فالمغصوب منه بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء قيمتها بالكوفة قال وكذا الخادم وكذا ما له حمل ومؤنة إلا الدراهم والدنانير، فإنه يأخذها حيث وجدها وإن اختلف السعر؛ لأنه أثمان وليس له أن يأخذ القيمة وإن كان المغصوب مثليا وقد هلك في يد الغاصب، فإن كان السعر في المكان الذي التقيا فيه مثل السعر في مكان الغصب أو أكثر برئ برد المثل، وإن كان في المكان الذي التقيا فيه أقل فهو بالخيار إن شاء أخذ قيمة العين حيث غصبه، وإن شاء انتظر وفي الخانية، فإن كانت القيمة في المكانين سواء كان للمغصوب منه أن يطالبه بالثمن وفيها عن أبي يوسف رجل غصب حنطة بمكة وحملها إلى بغداد قال عليه قيمتها بمكة ولو غصب غلاما بمكة فجاء به إلى بغداد، فإن كان صاحبه من أهل مكة عليه قيمته، وإن كان من غير أهل مكة أخذ غلامه وفي الينابيع قال ابن سماعة سمعت أبا يوسف في رجل غصب عبدا فذهب به إلى قرية فلقيه المغصوب منه فخاصمه فهو بالخيار إن شاء أخذ عبده بعينه، وإن شاء أخذ قيمته يوم غصبه ا هـ. فلو زاد المؤلف ومكان غصبه حيث لا يتغير ولا يقل لكان أولى قال رحمه الله: (أو مثله إن هلك وهو مثلي) يعني يجب عليه مثل المغصوب إن هلك عنده لقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ولأن حق المالك ثابت في الصورة والمعنى وقد أمكن اعتبارهما بإيجاب المثل فكان أعدل وأتم فكان إيجابه أولى من القيمة وأطلق في المثل فشمل الناطف المبذور والدهن المربى وفي التتارخانية برقوم ومشايخنا استثنوا من الموزونات الناطف المبذور والدهن المربى فقالوا الواجب القيمة فيهما وفي السير الكبير ومن أتلف على آخر جبنه فعليه قيمة الجبن مع أنه مثلي موزون والمراد بالمثلي المكيل والموزون الذي ليس في تبعيضه ضرر والعدد المتقارب والبيض والفلوس الرائجة وما أشبه ذلك من العددي الذي لا يتفاوت قال رحمه الله: (وإن انصرم المثلي فقيمته يوم الخصومة) يعني إذا انقطع المثلي عن أيدي الناس يجب على الغاصب قيمته يوم الخصومة وهذا قول الإمام وقال الثاني يوم الغصب وقال محمد يوم الانقطاع؛ لأن المثل هو الواجب والقيمة إنما يصار إليها للعجز عنه والعجز في يوم الانقطاع فيعتبر فيه وللثاني أن المثل لما انقطع التحق بالقيمي وفيه يعتبر القيمة يوم الغصب وللإمام أن المثل هو الواجب بالغصب وهو باق في ذمته ما لم يقض القاضي بالقيمة ولهذا لو صبر إلى أن يعود المثل كان له ذلك وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق الذي يباع فيه، وإن كان يوجد في البيوت ذكره في النهاية وقال في النهاية: فإن قلت ولم قدم قول أبي يوسف في التعليل ولم يوسطه كما هو حقه قلت لعله أن يكون هو المختار؛ لأنه أعدل الأقوال قال رحمه الله: (وما لا مثل له فقيمته يوم غصبه) وهذا بالإجماع وهو المذروع والحيوان والمعدودات المتفاوتة والوزني الذي يضره التبعيض؛ لأنه تعذر اعتبار المثل صورة ومعنى وهو الكامل فوجب اعتبار المثل معنى وهو القيمة؛ لأنها تقوم مقامه ويحصل بها مثله واسمها ينبئ عنه وقال الإمام مالك يضمن مثله صورة لما روي عن «أنس رضي الله عنه قال كنت في حجرة عائشة رضي الله عنها قبل أن يضرب الحجاب فأتى بقصعة من ثريد بعض أزواجه عليه الصلاة والسلام فضربت عائشة القصعة بيدها فكسرتها وجاءت بقصعة مثل تلك القصعة في يدها فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منها» الحديث. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام في «عبد بين رجلين يعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسرا ضمن نصيب الآخر، وإن كان معسرا سعى العبد في قيمة نصيب شريكه» وهذا نص صريح في اعتبار القيمة فيما لا مثل له والآية شاهدة لنا؛ لأنه هو المثل المتعارف بين الناس وفعل عائشة رضي الله عنها كان على طريق المروءة ومكارم الأخلاق لا على طريق الواجب إذ كانت القصعتان للنبي صلى الله عليه وسلم قال صاحب النهاية وتحقيقه أن معناه الشيء الذي لا يضمن بمثله من جنسه؛ لأن الذي لا مثل له في الحقيقة هو الله تعالى ا هـ. فعلى هذا كان على المؤلف رحمه الله تعالى أن يغير العبارة فيقول وما لا مثل له من جنسه وأطلق في قوله يوم غصبه فشمل ما إذا زادت قيمته بعده أو نقصت أو استمرت على حالة واحدة وفي شرح الطحاوي ولو غصب من رجل عبدا أو جارية ثمنها ألف درهم فازدادت قيمته أو نقصت ثم هلك ضمن قيمته يوم غصبه بالإجماع ولو لم يهلك ورده على صاحبه، فإن كان النقصان في القدر ضمن قيمة النقصان، وإن كان النقصان في السعر لا يضمن وشمل ما إذا هلك أو استهلكه بعد زيادة القيمة أو نقصانها أو استمرارها على حالة واحدة. وأما إذا هلك أو استهلكه في يد الغاصب أو المشتري من الغاصب وفي شرح الطحاوي ولو هلك بعد الزيادة نحو أن يبيعه ويسلمه إلى المشتري فهلك في يد المشتري فالمغصوب منه بالخيار إن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب وجاز البيع والثمن للغاصب، وإن شاء ضمن المشتري قيمته وقت القبض وبطل البيع ويرجع المشتري على الغاصب بالثمن ولو زادت قيمة العبد فقتله الغاصب ضمن عاقلته قيمة العبد يوم الغصب زائدة في ثلاث سنين وليس له أن يضمن الغاصب قيمته وقت التسليم على قول الإمام وفي قولهما له أن يضمن الغاصب قيمته يوم الغصب حالا، وإن شاء ضمن العاقلة قيمته يوم القتل زائدة في ثلاث سنين ولو كان المغصوب حيوانا سوى بني آدم فقتله الغاصب بعد الزيادة عند الإمام لا يضمن إلا قيمته يوم الغصب وعندهما المغصوب منه بالخيار وفي الفتاوى العتابية ولو زاد العبد ثم قتل نفسه لم يضمن الغاصب الزيادة. ا هـ. قال رحمه الله: (وإن ادعى هلاكه حبسه الحاكم حتى يعلم أنه لو بقي لأظهره ثم قضى عليه ببدله)؛ لأن حق المالك ثابت في العين فلا يقبل قوله فيه حتى يغلب على ظنه أنه صادق فيما يقول كما إذا ادعى المديون الإفلاس وليس لحبسه حد مقدر بل موكول إلى رأي القاضي كحبس الغريم الدين ولو ادعى الغاصب الهلاك عند صاحبه بعد الرد وعكس المالك وأقاما البينة فبينة الغاصب أولى عند محمد؛ لأنها تثبت الرد وهو عارض والبينة لمن يدعي العوارض وعند أبي يوسف بينة المالك أولى؛ لأنها تثبت وجوب الضمان والآخر منكر والبينة للإثبات وأطلق في قوله حبسه ومحله ما إذا لم يرض المالك بالقضاء بالقيمة، فإن قلت قال في الذخيرة إن الغاصب إذا عيب المغصوب فالقاضي يقضي بالقيمة من غير تلوم فما وجه قوله قيل في المسألة روايتان وقيل المذكور في الذخيرة جواب الجواب والمذكور في الكتاب جواب الأصل كذا في العناية قال رحمه الله: (والغصب فيما ينقل ويحول)؛ لأنه إزالة يد المالك بإثبات يد وذلك يتصور في المنقول قيل والنقل والتحويل واحد وقيل التحويل النقل من مكان والإثبات في مكان آخر والنقل يشتمل عليه بدون الإثبات في مكان آخر والمقصود بيان تحقق الغصب فيما ينقل ويحول دون غيره لا بيان مجرد تحققه في المنقول فالقصر معتبر في التركيب المذكور وأداة القصر في هذا التركيب وتعريف المسند إليه فاللام الجنس يفيد قصر المسند إليه على المسند كما صرحوا به في علم الأدب ويتلوه نحو التوكل على الله والكرم في العرب والإمام من قريش قال رحمه الله: (فإن غصب عقارا وهلك في يده لم يضمنه) وهذا عند الإمام وأبي يوسف وقال محمد وزفر والشافعي يضمنه وهو قول أبي يوسف أولا وفي العيني ويفتى بقول محمد في عقار الوقف ولأن الغصب يتحقق بوصفين بإثبات اليد العادية وإزالة اليد المحقة وذلك يمكن في العقار؛ لأن إثبات اليدين المتدافعتين على شيء واحد لا يمكن لتعذر اجتماعهما، فإذا ثبت اليد العادية للغاصب انتفت اليد المحقة للمالك ضرورة ولهذا يضمن العقار المودع بالجحود والإقرار به لغير المالك وبالرجوع عن الشهادة بعد القضاء ولقوله عليه الصلاة والسلام: «من غصب شبرا من أرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين» ولنا أن الغاصب تصرف في المغصوب بإثبات يده وإزالة يد المالك ولا يكون ذلك إلا بالنقل والعقار لا يمكن نقله وأقصى ما يكون فيه إخراج المالك منه وذلك تصرف في المالك لا في العقار فلا يوجب الضمان ومسائل الوديعة على الخلاف على الأصح فلا يلزمه. ولئن سلم فالضمان فيما ذكر بترك الحفظ الملتزم وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقق غصب موجب للضمان كإطلاق لفظ البيع على بيع الحر لقوله عليه الصلاة والسلام من باع حرا الحديث لا يدل على تحقيق بيع الحر وهذا لما عرف أن في لسان الشرع حقيقة ومجازا وفي هذا سؤال تقديره كيف جمع بين لفظ غصب وعدم الضمان مع أن الغصب موجب للضمان وعلى هذا الخلاف لو باع العقار بعد الغصب وأقر بذلك وكذبه المشتري لا يقبل إقراره في حق المشتري؛ لأن ملكه ظاهر ولا يضمن البائع عندهما؛ لأنه لم يتلفه، وإنما إتلافه مضاف إلى عجز المالك عن إقامة البينة وفي الكافي ولو غصب عقارا وهلك في يده بأن غلب السيل عليه فهلك تحت الماء أو غصب دارا فهدمت بآفة سماوية أو سيل فذهب البناء لم يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد والشافعي وزفر وهو قول أبي يوسف أولا يضمن وفي البزازية، والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف وفي الينابيع، فإن حدثت هذه الأشياء بفعل أحد من الناس فضمانه على المتلف عندهما وعند محمد هو مخير بين ضمان الغاصب والمتلف، فإن ضمن الغاصب يرجع على المتلف، وإن حدثت هذه الأشياء بفعل الغاصب وسكناه فالضمان عليه بالإجماع وفي الكافي وعلى هذا أي على غصب العقار لا ينعقد موجبا للضمان إذا باع دار الرجل وأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع عند أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف آخرا وعند محمد يضمن قيمتها ومعنى المسألة إذا باعها واعترف بالغصب وكذبه المشتري كذا ذكره فخر الإسلام قال رحمه الله: (وما نقص بسكناه وزراعته ضمن النقصان كما في النقلي) وهذا بالإجماع قال القدوري كما إذا انهدمت أو ضعف البناء كما لو عمل فيها حداد فانهدمت أو ضعف البناء والفرق لهما أنه أتلفه بفعله كما لو نقل ترابه والعقار يضمن بالإتلاف ولا يشترط لضمان الإتلاف أن يكون في يده ألا ترى أن الحر يضمن به بخلاف ضمان الغصب حيث لا يضمن إلا بالحصول في اليد فعلى هذا لو ركب دابة الغير بغير إذنه أو لم يسيرها حتى نزل ثم هلكت لم يضمن لعدم النقل، وإن تلفت بركوبه يضمن لوجود الإتلاف بفعله وهو نظير ما لو قعد على بساط الغير بغير إذنه وفي فتاوى أبي الليث غصب أرضا وزرعها ونبت فلصاحبها أن يأخذ الأرض ويأمر الغاصب بقلع الزرع تفريغا لملكه، فإن أبى أن يفعل فللمغصوب منه أن يفعل وفي الذخيرة، وإن لم يحضر المالك حتى أدرك الزرع فالزرع للغاصب وللمالك أن يرجع على الغاصب بنقصان الأرض بسبب الزراعة، وإن حضر المالك والزرع لم ينبت، فإن شاء صاحب الأرض يتركها حتى ينبت الزرع ثم يأمره بقلع الزرع، وإن شاء أعطاه قيمة بذره لكن مبذورا في أرض غيره وهو أن تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فيضمن فضل ما بينهما والبذر له وفي العيون غصب من آخر أرضا وزرعها ثم اختصما وهي بذر لم تنبت بعد فصاحب الأرض بالخيار إن شاء تركها حتى تنبت ثم يقول له: اقلع ذرعك، وإن شاء أعطاه ما زاد البذر فيه. وطريق معرفة ذلك أن تقوم مبذورة وغير مبذورة فيه فيضمن فضل ما بينهما وفي الحاوي وروي عن أبي يوسف أنه يقوم الأرض غير مبذور فيها وتقوم وهي مبذور فيها بذر مستحق القلع فيضمن فضل ما بينهما وهو قيمة بذر مبذور في أرض الغير فيضمن الفضل وفي الفتاوى غصب حنطة فزرعها تصدق بالفضل إلا على قول أبي يوسف وفي المنتقى للمعلى وفي نوادره عن أبي يوسف أرض بين رجلين زرعها أحدهما بغير إذن شريكه فتراضيا على أن يعطي غير الزارع نصف البذر ويكون الزرع بينهما نصفين قال إن كان ذلك منهما بعدما نبت الزرع فهو جائز، وإن كان قبل أن ينبت لا يجوز، وإن كان الزرع قد نبت وأراد الذي لم يزرع أن يقلع الزرع، فإن الأرض تقسم بينهما نصفين فما أصاب الذي لم يزرع من الزرع فله ويضمن له الزارع ما دخل أرضه من نقصان الزراعة وقوله بسكناه أو زراعته ليس بقيد فلو غصب عقارا أو حبس عن صاحبه حتى نزت أرضه أو أرضا حتى غلب عليها ما يمنع من الزراعة يضمن النقصان لظهور العيب عنده كما لو غصب عبدا وسرق ما في يده وهي حادثة الفتوى وأجاب الفقير عنها بما ذكر أخذا من مسألة العبد وفي الإسبيجابي رجل غصب أرضا فأجادها وأخذ غلتها أو زرع الأرض كرا فخرج منه ثلاثة أكرار. قال يأخذ رأس ماله الكر ويتصدق بالفضل ويضمن الغلة ويضمن النقصان وهذا في قولهم جميعا وفي الكافي ويأخذ الغاصب رأس ماله أي البذر وما أنفق وما غرم من النقصان ويتصدق بالفضل وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وعند الثاني لا يتصدق غصب تالة من أرض إنسان وزرعها في ناحية أخرى من تلك الأرض فكبرت التالة وصارت شجرة فالشجرة للغارس وعليه قيمة التالة لصاحبها يوم غصبها ويؤمر الغارس بقلع الشجرة وكذلك لو غرس رجل تالة نفسه في أرض غيره فلصاحب الأرض أن يأخذه بقلعها، وإن كان القلع يضر الأرض أعطاه صاحب الأرض قيمة شجرته مقلوعة كذا قيل وفي التتمة يوم يختصمان وعلى قياس مسألة الزرع الذي تقدم ذكرها يمكن أن يقال أعطاه صاحب الأرض قيمة شجرة مستحقة القلع وفي التتمة سئل عمن غرس أرض الغير غرسا فكبر هل لصاحب الأرض أن يقول: أدفع لك قيمته ولا تقلعه فقال لا إنما للغارس أن يقلعه ويضمن النقصان إن ظهر في الأرض نقصان، وإنما لصاحب الأرض الأمر بالقلع فحسب وسئل عنها علي بن أحمد فقال للغارس قيمة الأغصان حين غرسها إذا كان في قلعها ضرر بالأرض ولم يتعرض هل يضمن القيمة وقت الغرس أو وقت القلع. وسئل الخجندي عمن غرس في أرض غيره فنبت هل للغارس أن يقلعها فقال له أن يقلعها إن لم تنقص الأرض وفي الفتاوى رجل زرع أرض نفسه فجاء رجل وألقى بذره في تلك الأرض وقلب الأرض قبل أن تنبت بذر صاحب الأرض أو لم يقلب وسقى الأرض حتى نبت البذر فالنابت يكون للثاني عند أبي حنيفة ويكون على الثاني قيمة بذره ولكن مبذورا في أرض نفسه فتقوم الأرض ولا بذر فيها وتقوم وبها بذره فيرجع بفضل ما بينهما، فإن جاء الزارع الأول وهو صاحب الأرض وألقى فيها بذر نفسه مرة أخرى وقلب الأرض قبل أن ينبت البذران أو لم يقلب وسقى الأرض فنبتت البذور كلها فجميع ما نبت لصاحب الأرض وعليه للغاصب مثل بذره ولكن مبذورا في أرض غيره وهكذا ذكر ولم يسمع الجواب والجواب المشبع أن الغاصب يضمن لصاحب الأرض قيمة بذره مبذورا في أرض نفسه ويضمن صاحب الأرض للغاصب قيمة البذرين لكن مبذورا في أرض الغير وهذا كله إذا لم يكن الزرع نابتا بها، فأما إذا نبت زرع المالك فجاء رجل وألقى بذره وسقى، فإن لم يقلب حتى نبت الثاني، فإن كان الزرع النابت إذا قلب ينبت مرة أخرى فالجواب كما قلنا، وإن كان لا ينبت مرة أخرى فما نبت فهو للغاصب ويضمن الغاصب للمالك قيمة زرعه نابتا وفي الظهيرية سئل نصير رحمه الله عمن زرع أرض نفسه برا فجاء رجل وزرعها شعيرا قال على صاحب الشعير قيمة بذره مبذورا روى ذلك محمد بن سماعة عن محمد بن الحسين رحمه الله تعالى قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى هذا إذا رضي صاحب البذر. وأما إذا لم يرض فهو بالخيار إن شاء ترك حتى ينبت، فإذا نبت يأخذه بالقلع، وإن شاء أبرأه عن الضمان، فإذا استحصد الزرع وحصداه فهو بينهما على مقدار نصيبهما وسئل أبو جعفر عمن دفع كرما معاملة فأثمر الكرم أو كان الدافع وأهل داره يدخلون الكرم ويأكلون منه ويحملون والعامل لا يدخل إلا قليلا هل على الدافع ضمان قال: إن أكلوا وحملوا بغير إذن الدافع فلا ضمان عليه والضمان على الذين أكلوا وحملوا، وإن كانوا أكلوا بإذنه، فإن كانوا ممن تجب نفقتهم عليه فهو ضامن نصيب العامل فصار كأنه هو الذي أكله، وإن كانوا أخذوا بإذنه وهو ممن لا تلزمه نفقتهم فلا ضمان عليه فصار كأنه دل على استهلاك مال الغير وسئل الشيخ عطاء بن حمزة رحمه الله تعالى عمن زرع أرض إنسان ببذر نفسه بغير إذن صاحب الأرض هل لصاحب الأرض أن يطالب بحصة الأرض قال نعم إن جرى العرف في ذلك أنهم يزرعون الأرض بثلث الخارج أو ربعه أو نصفه أو شيء مقدر شائع يجب ذلك القدر الذي جرى به العرف قيل له هل فيه رواية قال نعم رجل غصب أرضا وبنى فيها حائطا فجاء صاحب الأرض وأخذ الأرض وأراد الغاصب أن يأخذ الحائط، فإن كان الغاصب يبني الحائط من تراب هذه الأرض ليس له النقض ويكون الحائط لصاحب الأرض، فإن بنى الحائط لا من تراب هذه الأرض فله النقض ولم يتعرض المؤلف لما إذا نقص في يده بغير صنعه. قال القدوري رحمه الله تعالى في كتابه غصب من آخر عبدا أو جارية فأبق في يد الغاصب ولم يكن أبق قبل ذلك أو زنت أو سرقت ولم تكن فعلت ذلك قبل فعلى الغاصب ما انتقصت بسبب السرقة والإباق وعيب الزنا وكذلك ما حدث في يد الغاصب مما تنقص به القيمة من عور أو شلل أو ما أشبه ذلك يكون مضمونا فيقوم العبد صحيحا ويقوم وبه العيب فيأخذه ويرجع بفضل ما بينهما، وإن أصابه حمى في يد الغاصب أو أصابه بياض في عينه ثم رد على المولى ورد معه الأرش ثم ذهبت الحمى وزال البياض فللغاصب أن يرجع على المولى بالأرش وفي شرح الطحاوي وإذا ولدت الجارية المغصوبة ولدا فالولد عندنا غير مضمون وعند الشافعي مضمون ولو استهلكه الغاصب ضمن قيمته بالإجماع ويتخير بنقصان الولادة عندنا وعند زفر لا يتخير وإذا حبلت عند الغاصب من الزنا فأراد ردها على المولى كذلك، فإنه يردها مع النقصان فينظر إلى أرش عيب الزنا وإلى ما نقصها الحبل فيضمن الأكثر من ذلك ويدخل الأقل في الأكثر وهذا استحسان أخذ به أبو يوسف والقياس أن يضمن الأمرين جميعا وهو قول محمد، فإن ولدت في يد المالك وسلمت من الولادة فالمروي عن أبي يوسف أنه ينظر إلى أرش الحبل وإلى أرش عيب الزنا، فإن كان عيب الزنا أكثر لا يرد شيئا، وإن كان عيب الحبل أكثر رد الفضل من أرش عيب الزنا وفي الينابيع، فإن حبلت من الزنا فولدت زال عيب الحبل بالولادة وبقي عيب الزنا، فإن كان عيب الزنا أكثر من عيب الحبل، وقد غرم الغاصب عيب الحبل يجب عليه أن يتم أرش عيب الزنا. وإن كان عيب الحبل أكثر فمقدار عيب الزنا يستحق وما زاد عليه زال، وإن ماتت من الولادة وبقي ولدها ففي قول أبي حنيفة يضمن الغاصب جميع قيمتها وعلى قولهما يضمن نقصان الحبل خاصة وهكذا ذكره القدوري وفي الخانية الجارية تقوم غير حامل ولا زانية وتقوم وهي حامل زانية فيرجع بفضل ما بينهما وفي الخانية ولو ماتت في نفاسها ومات الولد أيضا كان على الغاصب قيمتها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ليس عليه إلا نقصان الحبل وفي الينابيع وكذا قطعت يدها في سرقة عند الغاصب أو ضربت فيما زنت عنده فعند أبي حنيفة يضمن ما نقصها الزنا والضرب فيدخل الأقل في الأكثر وفي السرقة يضمن نصف قيمتها وعندهما يضمن السرقة والزنا ولا يضمن ما نقصها القطع والضرب ولو ماتت في الولادة وبقي ولدها ضمن جميع قيمتها عند أبي حنيفة يوم الغصب ولا جبر للنقصان بالولد عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا يضمن إلا ما نقصها الحبل وهو قول محمد ولو مات الولد ردها ورد معها ما نقصتها الولادة ولا شيء عليه بموت الولد ولكن نقصت قيمة الجارية وقيمة الولد تصلح أن تكون جابرة لذلك النقصان لم يضمن الغاصب شيئا قال رحمه الله: (وإن استغله تصدق بالغلة كما لو تصرف في المغصوب الوديعة وربح) أي استغل المغصوب بأن كان عبدا مثلا فأجره فنقصه الاستعمال وضمن النقصان تصدق الغاصب بالغلة كما يتصدق بالربح فيما إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة بأن باعه وربح فيه؛ لأن المنافع لا تقوم إلا بالعقد والعاقد هو الغاصب فتكون الأجرة له بخلاف ما إذا غصب جارية وغصبها ووطئها الزوج فالعقر للمالك دون الغاصب؛ لأن العقر يجب باستيفاء منفعة البضع عند قيام الشبهة لا بالعقد أما الأول وهو الاستعمال فالمذكور هنا قولهما وهو التصدق وعند أبي يوسف لا يتصدق به وقد ذكرنا الوجه في الجانبين في المسألة التي قبلها وكان ينبغي أن يتصدق بما زاد على ما ضمن عندهما لا بالغلة كلها كما في المسألة الأولى ثم إنما يضمن الغاصب النقصان إذا كان النقصان في العين وكان غير زيوف؛ لأنه دخل جميع أجزائه في ضمانه فيجب عليه قيمة ما تعذر رده من أجزائه كلا أو بعضا بخلاف المبيع حيث لا يوجب النقصان الحادث فيه قبل القبض إلا بالخيار ولا يوجب حط شيء من الثمن؛ لأن الأوصاف لا تضمن بالعقد وتضمن بالفعل، وإن كان لتراجع السعر لا يضمن بعد أن رده في مكان الغصب؛ لأن ذلك لقلة الرغبات فيه لا لنقصان في العين بفوات جزء. وإن كان ربويا لا يمكنه أن يضمنه النقصان مع استرداد العين؛ لأنه يؤدي إلى الربا إذ الجودة لا قيمة لها في الأموال الربوية ولكنه يخير بين أن يأخذه ولا شيء له وبين أن يتركه على الغاصب ويضمنه مثله من الربويات أو قيمته ولك أن تقول عدم إمكان ذلك مسلم فيما إذا كان نقصان الربويات في الأوصاف كما إذا غصب حنطة فعفنت في يده؛ لأنه لا اعتبار للوصف عندنا، وأما إذا كان نقصانها في الأجزاء كما إذا غصب كيليا أو وزنيا فتلف بعض أجزائه فنقص فرده كيلا أو وزنا فيكون لصاحب المال تضمين النقصان مع استرداد الباقي ولا يؤدي إلى الربا كما لا يخفى وفي العناية فسر الربويات بما إذا غصب حنطة فعفنت عنده أو إناء فضة فانهشم في يده أقول: في كون إناء الفضة من الربويات عندنا فيه نظر ظاهر، فإنهم صرحوا في شرح الهداية ومنهم صاحب العناية بأن الوزني الذي في تبعيضه ضرر كالمصوغ من القمقم والعلث ليس هو بمثلي بل هو من ذوات القيم ولا شك أن إناء الفضة منه فكيف مثل به ولاستغلال العبد المستعار بالإيجار كاستغلال المغصوب حتى يجب عليه ضمان النقصان ويتصدق بالغلة عندهما خلافا لأبي يوسف والوجه قد بيناه ولو هلك في يده بعدما استعمله فضمنه المالك كان له أن يستعين بالغلة في أداء الضمان؛ لأن الخبث لأجل المالك. فإذا أخذه المالك لا يظهر الخبث في حقه ولهذا لو أسلم الغلة إليه مع العبد يباح له التناول فيزول الخبث بالتسليم وتبرأ ذمته عن القيمة بقدره بخلاف ما إذا باعه الغاصب بعدما استغله وهلك في يد المشتري وضمنه المالك قيمته ثم رجع المشتري على الغاصب بالثمن حيث لا يكون للغاصب أن يستعين بالغلة في أداء الثمن إلى المشتري؛ لأن الخبث كان لحق المالك والمشتري ليس بمالك فلا يزول الخبث بالأداء إليه فلا يؤديه إليه إلا إذا كان لا يجد غيره فيرجح هو على غيره من الفقراء باعتبار أنه ملكه وهو محتاج إليه كما أن للملتقط أن يصرف الغلة على نفسه إذا كان محتاجا ثم إذا أصاب ما لا يتصدق بمثله إن كان غنيا وتعذر الاستغلال، وإن كان فقيرا فلا شيء لما ذكرنا من ترجيحه على غيره من الفقراء وأما الثاني وهو ما إذا تصرف في المغصوب أو الوديعة وربح فهو على وجوه إما أن يكون مما يتعين بالتعين كالعرض أو لا يتعين كالنقدين، فإن كان مما يتعين لا يحل له التناول منه قبل ضمان القيمة وبعده يحل إلا فيما زاد على قدر القيمة وهو الربح المذكور هنا، فإنه لا يطيب له ويتصدق به؛ لأن العقد يتعلق فيما لا يتعين بالتعيين حتى تنفسخ بالهلاك قبل القبض فتمكن الخبث فيه. وإن كان مما لا يتعين فقد قال الكرخي إنه على أربعة أوجه أما إن أشار ونقد منه أو أشار إليه ونقد من غيره أو أشار إلى غيره ونقد منه أو أطلق إطلاقا ونقد منه وفي كل ذلك يطيب له إلا في الوجه الأول وهو ما إذا أشار إليه ونقد منه لأن الإشارة إليه لا تفيد التعيين فيستوي وجودها وعدمها إلا إذا تأكدت بالنقد منهما وقال مشايخنا رحمهم الله تعالى لا يطيب له بكل حال وهو المختار وإطلاق الجواب في الجامعين يدل على ذلك ووجهه أنه بالنقد منه استفاد سلامة المشتري وبالإشارة استفاد جواز العقد لتعلق العقد في حق الوصف والقدر فيثبت فيه شبهة الحرمة لمالكه بسبب خبيث واختار بعضهم الفتوى على قول الكرخي في زماننا لكثرة الحرام وهذا كله على قولهما وعند أبي يوسف لا يتصدق بشيء منه والوجه ما بينا وهذا الاختلاف منهم فيما إذا صار بالتقلب من جنس ما ضمن بأن غصب دراهم مثلا وصار في يده من ثمن المغصوب دراهم كان في يده من بدله بخلاف جنس ما ضمن بأن غصب دراهم وفي يده من بدله طعام أو عروض لا يجب عليه التصدق بالإجماع؛ لأن الربح إنما يتعين عند اتحاد الجنس وما لم يصر بالتقلب من جنس ما ضمن لا يظهر الربح ولو اشترى بثمن المبيع بيعا فاسدا شيئا وأشار إليه ونقد منه يطيب الربح؛ لأن الثمن صار ملكا بالقبض بتراضيهما ولأنه متى نقض البيع واسترد الثمن يرد مثل الثمن لا عينه ولكن هذا لا يوجب بينهم الخبث في التصرف للحال. ولو اشترى بالدراهم المغصوبة طعاما حل التناول ولو اشترى بالدراهم المغصوبة دنانير لم يجز له أن يتصرف في الدنانير؛ لأن الدراهم لو استحقت بعدما افترقا انتقض البيع في الدنانير فوجب عليها ردها فأما البيع في الطعام لا ينقض باستحقاق الدراهم؛ لأنه يجب عليه رد مثلها لا عينها ولو اشترى بالثوب المغصوب جارية يحرم عليه أن يطأها حتى يدفع قيمة الثوب إلى صاحبه؛ لأن بالاستحقاق تبين أن البيع فاسد؛ لأن البيع يتعلق بعين الثوب ولو اشترى بالدراهم المغصوبة جارية حل له وطؤها إلا البيع لا يتعين بتلك الدراهم ولو تزوج بالثوب المغصوب جارية امرأة حل له وطؤها؛ لأن النكاح لا ينتقض باستحقاق المهر ولو أخذ المالك القيمة بقول الغاصب في الجارية المغصوبة لم يحل له وطؤها واستخدامها ولا بيعها إلا إذا أعطاه قيمتها بتمامها؛ لأنها من غير رضا المالك ولهذا لا يملك الفسخ إن ظهرت مستحقة ولو أعتق الغاصب العبد بعد القضاء عليه بالقيمة الناقصة جاز عنده وعليه تمام القيمة كذا في المحيط مختصرا
قال رحمه الله: (وملك بلا حل انتفاع قبل أداء الضمان بطحن وطبخ وشي وزرع واتخاذ سيف أو إناء لغير الحجرين)؛ لأنه لو لم يملكه بذلك لحقه ضرر وكان ظالما والظالم لا يظلم بل ينصف ثم الضابط فيه أنه متى تغيرت العين المغصوبة بفعل حتى زال اسمها وعظم منافعها واختلطت بملك الغاصب حتى لا يمكن تميزها أصلا زال ملك المغصوب منه وملكها الغاصب وضمنها ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها قال في العناية وغيرها وقوله بطحن إلى آخره يعني بفعل الغاصب احترازا عما إذا تغير بغير فعله مثل إن صار العنب زبيبا بنفسه أو خلا أو الرطب تمرا، فإن الغاصب لا يملكه والمالك فيه بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء تركه وضمنه مثله وقوله زال اسمها يحترز عما إذا لم يزل اسمها كما لو ذبح الشاة، فإنه يقال شاة حية شاة مذبوحة وقوله وعظم منافعها تأكيدا يتناول الحنطة إذا طحنها، فإنه يزول بالطحن عظم منافعها كجعلها هريسة وكشكا ونشاء وغير ذلك قال صاحب العناية. وقوله وعظم منافعها تأكيد لقوله زال اسمها والظاهر أنه تأسيس لا تأكيد؛ لأنه احتراز عما إذا غصب شاة وذبحها، فإنه لا يزول بالذبح ملك مالكها كما سيأتي مصرحا به وما ذكره من الطحن وما بعده يحصل به ما ذكرنا في الضابط فيملكها الغاصب إلا الذهب والفضة، فإنه لا يملكه باتخاذهما أواني أو دراهم أو دنانير عند الإمام رحمه الله؛ لأنها بهذا الفعل لا يزول التمييز وقال الإمام الشافعي لا ينقطع حق المالك بما ذكر وهي رواية عن أبي يوسف غير أنه إذا اختار أخذ العين لا يضمن النقصان في الربويات؛ لأن الملك نعمة فلا يحصل بالحرام وهو الغصب وصار كما وقعت الحنطة في الطاحونة وانطحنت بفعل الماء أو الهواء من غير صنع أحد ولنا أنه لما استهلك العين من وجه بالاستحالة حتى صار له اسم آخر، وقد أحدث فيه الصنعة وهي حق الغاصب وهي قائمة من كل وجه فترجحت لذلك والمحظور لغيره لا يمتنع أن يكون سببا لحكم شرعي ألا ترى أن الصلاة في الأرض المغصوبة لا تجوز وتكون سببا لحصول الثواب الجزيل فما ظنك بالملك غير أنه لا يجوز له الانتفاع بها قبل الأداء كي لا ينفتح باب الغصب ولقوله عليه الصلاة والسلام: «في الشاة المذبوحة بغير إذن مالكها أطعموها الأسارى» ولو لم يملكه لما قال ذلك والقياس أنه يجوز الانتفاع به وهو قول الحسن وزفر ورواية عن أبي حنيفة. ولهذا ينفذ تصرفه فيها كالتمليك للغير ووجه الاستحسان ما ذكرناه ونفاذ تصرفه لوجود الملك ألا ترى أن المشتري شراء فاسدا ينفذ تصرفه فيه مع أنه لا يحل له الانتفاع به، فإذا دفع المثل أو القيمة إليه وأخذه الحاكم أو تراضيا على مقدار حل الانتفاع به لوجود الرضا من المغصوب منه؛ لأن الحاكم لا يحكم إلا بطلبه فحصلت المبادلة بالتراضي وقال أبو يوسف في الحنطة المزروعة والنواة المزروعة يجوز الانتفاع بها قبل أداء الضمان لوجود الاستهلاك من كل وجه قيد بقوله واتخاذ سيف ليفيد أنه بعده صار يباع عددا لا وزنا وهو إنما يملكه بما ذكر من الاتخاذ إذا كان يباع عددا وفي المحيط ولو غصب حديدا وصفرا فجعله إناء فكان يباع وزنا لا ينقطع حق المالك كما في الفضة، وإن كان يباع عددا انقطع حق المالك؛ لأنه لما أخرجه عن كونه موزونا يكون مستهلكا له من وجه قال في شرح الطحاوي وقال شمس الأئمة الكرخي الصحيح أنه لا فرق بين الصفقة أن يباع عددا أو وزنا. ولو غصب فلوسا وضاع منها إناء ضمن الفلوس؛ لأنه أخرجها عن كونها ثمنا فيصير مستهلكا من وجه وقوله لغير الحجرين يعني أن الحجرين لو اتخذ مصاغا أو حليا أو إناء أو ضربه دراهم أو دنانير فللمالك أن يأخذه ولا يعطيه شيئا عند الإمام وعندهما هو للغاصب ويضمن مثله للمالك؛ لأنه أحدث فيه صنعة متقومة فصار كما لو غصب حديدا أو صفرا فضربه وللإمام أن العين باقية من كل وجه ولم تهلك من وجه ما ألا ترى أن الاسم لم يتغير ومعناه الثمنية وهو باق أيضا وكذا كونه موزونا باق أيضا حتى يجري فيه الربا وأطلق في الحجرين فشمل ما إذا صار بعد الاتخاذ أصلا أو تبعا قال في المحيط ولو غصب فضة أو دراهم فجعلها عروة أو قلادة لا أواني انقطع حق المالك؛ لأنه صار تبعا للأواني والتبعية استهلاك من وجه. ا هـ. وفي فتاوى سمرقند غصب من آخر طعاما فمضغه حتى صار بالمضغ مستهلكا فلما ابتلعه كان حلالا في قول الإمام وقالا لا يكون حلالا إلا إذا أدى البدل وأنكر الشيخ نجم الدين النسفي هذه الرواية عن الإمام وقال الصحيح أن قول الإمام كقولهما وفي الخانية وقولهما احتياط ا هـ. وفي المنتقى عن أبي يوسف لو غصب أرضا وبنى فيها حوانيت ومسجدا أو حماما فلا بأس بالصلاة في ذلك المسجد، أما الحمام فلا يدخل ولا تستأجر الحوانيت وقال هشام أنا أكره الصلاة فيه حتى يطيب أربابه وأكره شراء المتاع من أرض غصب أو حوانيت غصب. ا هـ. وأشار المؤلف إلى أن التغيير بعدما وضع اليد في المثلي فلو كان قبله تجب القيمة قال القدوري صب ماء في الطعام فأفسده وزاد في كيله فلصاحب الطعام أن يضمنه قيمته قبل أن يصب فيه الماء وليس له أن يضمنه مثله وكذا لو صب ماء في دهن أو زيت لا يجوز أن يغرم مثل كيله قبل صب الماء؛ لأنه لم يكن منه غصب متقدم حتى لو غصب ثم صب الماء فعليه مثله. ا هـ. وفي الذخيرة، وإن باع رجل شيئا ثم إن باع فعل بعض ما وصفنا فكل شيء كان الغاصب فيه مستهلكا للعين ولم يكن للمغصوب منه أن يأخذه فكذا ليس للمشتري أن يأخذه وكل شيء لم يكن الغاصب فيه مستهلكا وكان للمغصوب منه أن يأخذه فللمشتري أن يأخذه. ا هـ. وفي الفتاوى لو غصب حنطة فاتخذها كشكا فلصاحبها أخذها ورد ما زاد فيها من اللبن واستشكله بعض أهل العصر وهو الصحيح؛ لأنه زال اسمها وعظم منافعها وأجيب بأن المراد إذا سقى الحنطة اللبن من غير طحن أما إذا طحنها فقد ملكها ويرد مثلها قال رحمه الله: (وبناء على ساجة) يعني إذا بنى على الساجة زال ملك مالكها عنها وأطلق في العبارة فشمل ما إذا كانت قيمة الساجة أكثر أو قيمة البناء وقال في الذخيرة هذا فيما إذا كان قيمة البناء أكثر من قيمة الساجة، أما إذا كان قيمة الساجة أكثر من قيمة البناء فلا يملكها وله أخذها والظاهر من التقييد بالبناء على الساجة أنه لو بنى على الأرض التي لا يتصور غصبها لا يملكها وفي المضمرات ولو غصب أرضا وبنى فيها وقيمة البناء أكثر من قيمة الأرض لا سبيل للمغصوب منه على الأرض ويضمن الغاصب قيمة أرضه وهكذا روي عن أبي القاسم الدباسي وفي الحاوي غصب من آخر دارا أو أرضا وبنى فيها بناء أو زرع فقلع صاحبها الزرع وهدم البناء لا يضمن بشرط أن لا يكسر خشب الغاصب ولا آجره وفي الأصل غصب أرضا وبنى فيها فجاء صاحب الأرض وأخذ الأرض فأراد الغاصب أن يأخذ الحائط، فإن كان الغاصب بنى الحائط من تراب هذه الأرض ليس له النقض والحائط لصاحب الأرض، وإن بنى الحائط لا من تراب هذه الأرض فله النقض وفي فتاوى سمرقند رجل بنى حائطا في كرم رجل من تراب كرمه بغير أمره، فإن لم يكن للتراب قيمة فهي لصاحب الأرض، وإن كان للتراب قيمة فالحائط للباني وعليه قيمة البناء. ا هـ. ولم يذكر في الأصل ما إذا أراد الغاصب أن ينقض البناء ويرد الساجة هل يحل له ذلك وهذا على وجهين إن كان القاضي قضى عليه بالقيمة لا يحل له ذلك، وإن نقض لم يستطع رد البناء، وإن كان القاضي لم يقض عليه بالقيمة اختلف المشايخ قال بعضهم لا يملك النقض وقال بعضهم لا يحل له لما فيه من تضييع المال من غير فائدة وفي فتاوى النسفي سئل عمن غصب ساجة فأدخلها في بنائه أو تالة فغرسها في أرضه أو غصنا فوصله بشجرة فوهبها الغاصب من المغصوب يبرأ عن الضمان بهذه الهبة قال نعم قيل ولو قال المغصوب منه للغاصب وهبت لك الساجة أو التالة أو الغصن قال نعم قيل كيف وقد وهب المغصوب منه للغاصب ما لا يملكه الواهب؛ لأن حقه قد انقطع ووجب الضمان على الغاصب قال بلى وهذا في المعنى إبراء له عن الضمان الواجب عليه بسبب هذه العين وفي الخانية كسر غصنا لرجل ضمن النقصان ولو كان الكسر فاحشا بأن صار حطبا أو وتدا وفي الأصل غصب من آخر دارا ونقشها بعشرة آلاف ثم جاء رب الدار قيل له إن شئت فخذ الدار وأعط الغاصب ما زاد فيها. وفي الذخيرة مشتري الدار من الغاصب إذا هدمها وأدخلها في بنائه ثم حضر المالك، فإن كان البناء قليلا يتيسر رفعه يرفعه ويرده على المالك، وإن كان كثيرا يتعذر رفعه، وإن شاء لا يرفعه بل يتركه ويضمن المشتري قيمة البناء الأول وفي القدوري ولو غصب من آخر دارا وجصصها ثم ردها قيل لصاحبها أعط ما زاد التجصيص فيها إلا أن يرضى صاحب الدار أن يأخذ الغاصب ما جصصه قال هشام قلت لمحمد في رجل وثب على باب مقلوع ونقشه بالأصابع قال سبيله سبيل الدار قلت: وإن كان نقشه بالنقر وليس بالأصابع قال فهذا مال مستهلك بالباب وعليه قيمته والباب له وكذا لو نقش إناء فضة بالنقر وذكر الكرخي أنه موضوع مسألة الساجة إذا بنى الغاصب حول الساجة أما لو بنى على نفس الساجة لا يبطل ملك المالك بل ينقض وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني؛ لأنه إذا بنى حولها لم يكن متعديا وإذا بنى عليها كان متعديا والصحيح أن الجواب في الموضعين على حد واحد كذا في البدائع قال رحمه الله: (ولو ذبح شاة أو خرق ثوبا فاحشا ضمن القيمة وسلم المغصوب أو ضمن النقصان) وكذا لو ذبح وقطع اليد أو الرجل؛ لأن هذه الأشياء إتلاف من وجه باعتبار فوات بعض الأغراض من الحمل والدار والنسل وفوات بعض المنفعة في الثوب فيخير بين تضمين جميع قيمته وتركه له وبين تضمين نقصانه وأخذه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه ليس له أن يضمنه النقصان إذا أخذ اللحم؛ لأن الذبح والسلخ زيادة فيها لانقطاع احتمال الموت حتف أنفها وأمكن الانتفاع بلحمها يتعين والأول هو الظاهر؛ لأنه نقصان باعتبار فوات بعض الأغراض على ما بينا ولو كانت الدابة غير مأكولة اللحم يضمن قاطع الطرف جميع قيمتها؛ لأنه استهلاك من كل وجه بخلاف قطع الطرف؛ لأنه بعد القطع صالح لجميع ما كان صالحا قبله من الانتفاع ولا كذلك الدابة، فإنها لا تصلح للحمل ولا للركوب بعد القطع قيد التخيير بذبح الشاة وما يؤكل لحمه احترازا عما لا يؤكل لحمه قال في الخانية، ولو ذبح حمار غيره فليس له أن يضمنه النقصان في قول الإمام ولكن يضمنه جميع القيمة وعلى قول محمد له أن يمسك الحمار ويضمنه النقصان، وإن شاء ضمنه كل القيمة ولا يمسك الحمار، وإن قتله قتلا فهو على الخلاف السابق والاعتماد على قول الإمام ولو قطع يد حمار أو بغل أو قطع رجله أو فقأ عينه قال الإمام إن شاء سلم الجسد وضمنه جميع القيمة وليس له أن يمسك الجسد ويضمنه النقصان وفي المنتقى هشام عند محمد رجل قطع يد حمار أو بغل أو رجله وكان لما بقي منه قيمة فله أن يمسكه ويأخذ النقصان وفي النوازل إذا قطع أذن الدابة أو بعضه يضمن النقصان ولو قطع أذنيها يضمن النقصان وعن شيخه رضي الله عنه إذا قطع ذنب حمار القاضي يضمن جميع قيمته، وإن كان لغيره يضمن النقصان. ا هـ. أقول: ويلحق بحمار القاضي حمار المفتي والعالم والأمير وفي التجريد والصحيح في الحد الفاصل بين الخرق الفاحش واليسير أن الخرق الفاحش ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة واليسير مما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما تفوت الجودة قال شمس الأئمة الحلواني القطع أنواع ثلاثة فاحش غير مستأصل وهو ما بينا وقطع يسير وهو أن يقطع طرفا من أطراف الثوب ولا يثبت فيه الخيار للمالك ولكن يضمنه النقصان وقطع فاحش مستأصل للثوب وهو أن يقطع الثوب قطعا يصلح لما يراد منه ولا يرغب في شرائه فعن الإمام المالك بالخيار إن شاء ترك المقطوع وضمنه القيمة، وإن شاء أخذ المقطوع له وعندهما له أن يأخذ القيمة ويضمنه النقصان ا هـ. فظهر أن ما أطلقه المؤلف في الخرق الفاحش إنما يتأتى على قولهما لا على قول الإمام وفي المنتقى بشر عن أبي يوسف غصب شاة فحلبها ضمن قيمة اللبن. ا هـ. قال رحمه الله: (وفي الخرق اليسير ضمن نقصانه) يعني مع أخذ عينه وليس له غير ذلك؛ لأن العين قائمة من كل وجه، وإنما دخله عيب فنقص بذلك وكان له أن يضمنه النقصان وقد بينا الفرق بين الفاحش واليسير وقال الشارح واختلفوا في الخرق اليسير والفاحش قيل ما يوجب نقصان ربع القيمة فاحش وما دونه يسير وقيل ما ينقص به نصف القيمة والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه نقصان في المنفعة؛ لأن الاستهلاك المطلق من كل وجه عبارة عن إتلاف جميع المنفعة والاستهلاك من وجه عبارة عن تفويت بعض المنفعة والنقصان عبارة عن تفويت المنافع مع بقائها وهو تفويت الجودة لا غير ولا عبرة بقيام أكثر المنافع؛ لأن الرجحان إنما يطلب إذا تعذر العمل بأحدهما ومتى أمكن العمل بهما لا يضر الترجيح ولا يشتغل به قال شمس الأئمة السرخسي الحكم الذي ذكرناه في الخرق في الثوب إذا كان فاحشا هو الحكم في كل عين من الأعيان إلا في الأموال الربوية، فإن التعيب فيها سواء كان فاحشا أو يسيرا فالمالك فيهما يخير بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشيء وبين أن يسلم العين ويضمنه مثله أو قيمته؛ لأن تضمين النقصان متعذر؛ لأنه يؤدي إلى الربا هذا إذا قطع الثوب ولم يجدد فيه صنعة، وأما إذا جدد فيه صنعة فيأتي في المتن وفي الأصل غصب ثوبا فعفن عنده أو اصفر أخذه المالك وما نقص منه إذا كان النقصان يسيرا ولو فاحشا خير بين الأخذ والترك. ا هـ. قال رحمه الله: تعالى (ولو غرس أو بنى في أرض الغير قلعا وردت) أي قلع البناء والغرس وردت الأرض إلى صاحبها لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس لعرق ظالم حق» أي ليس لذي عرق ظالم وصف العرق بصفة صاحبه وهو الظلم وهو من المجاز كما يقال صائم نهاره وقائم ليله قال الله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} ولأن الأرض باقية على ملكه إذا لم تكن مستهلكة ولا مغصوبة حقيقة ولم يوجد فيها شيء يوجب الملك للغاصب فيؤمر بتفريغها وردها إلى مالكها كما إذا أشعل طرف غيره بالطعام هذا إذا كانت قيمة الساحة أكثر من قيمة البناء، وإن كانت قيمة البناء أكثر فللغاصب أن يضمن له قيمة الساحة ويأخذها ذكره في النهاية وعلى هذا لو بلعت دجاجة لؤلؤة ينظر أيهما أكثر قيمة فلصاحبه أن يأخذ ويضمنه قيمة الأخرى وعلى هذا التفصيل لو أدخل فصيل غيره في داره وكبر فيها ولم يمكن إخراجه إلا بهدم الحائط وعلى هذا التفصيل لو أدخل البقر رأسه في قدر من النحاس فتعذر إخراجه وقد استوعبنا هذه المسألة بفروعها في مسألة نقصان الأرض فلا نعيده وفي التتارخانية لو غصب حنطة فزرعها تصدق بالفضل. ا هـ. قال رحمه الله: (فإن نقصت الأرض بالقلع ضمن له البناء والغرس مقلوعا ويكونان له) أي إذا كانت الأرض تنقص بالقلع كان لصاحب الأرض أن يضمن للغاصب قيمة البناء والغرس مقلوعا ويكون له؛ لأن فيه دفع الضرر عنهما فتعين فيه النظر لهما، وإنما يضمن قيمتها مقلوعا؛ لأنه مستحق للقلع وليس له أن يستديم فيها فتعتبر قيمته في ذلك الوقت مقلوعا وكيفية معرفتها أنه يقوم الأرض وبها بناء أو شجر ويستحق قلعه أي أمر بقلعه وتقوم وحدها ليس فيها بناء ولا غرس فيضمن فضل ما بينهما كذا لو قالوا وهذا ليس بضمان لقيمته مقلوعا بل هو ضمان لقيمته قائما مستحق القلع، وإنما يكون ضمانا لقيمته مقلوعا أن لو قدر البناء أو الغرس مقلوعا موضوعا في الأرض بأن يقدر الغرس حطبا والبناء آجرا أو البناء حجارة مكومة على الأرض فيقوم وحده من غير أن يضم إلى الأرض فيضمن له قيمة الحطب والحجارة المكومة دون المبنية قال رحمه الله: (وإن صبغ أو لت السويق بسمن ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق أو أخذهما وغرم ما زاد الصبغ والسمن) يعني إذا غصب ثوبا وصبغه أو سويقا فلته بسمن فالمالك بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض ومثل السويق، وإن شاء أخذ المصبوغ والملتوت وغرم ما زاد الصبغ والسمن وقال الإمام الشافعي يؤمر الغاصب بقلع الصبغ بالغسل بقدر الإمكان ويسلمه لصاحبه، وإن انتقص قيمة الثوب بذلك فعليه ضمان النقصان بخلاف السمن لتعذر التمييز ولنا أن الصبغ مال متقوم كالثوب وبجنايته لا يسقط تقوم ماله فيجب ضمانه حقهما ما أمكن فكان صاحب الثوب أولى بالتخيير؛ لأنه صاحب الأصل والآخر صاحب وصف وهو قائم بالأصل وكذا السويق أصل والسمن تبع بخلاف البناء؛ لأن التميز ممكن بالنقض وله وجود بعد النقض فأمكن إيصال حق كل واحد منهما إليه والصبغ يتلاشى بالغسل فلا يمكن إيصاله إلى صاحبه وبخلاف ما إذا انصبغ من غير فعل أحد كإلقاء الريح حيث لا يثبت فيه لرب الثوب الخيار بل يؤمر صاحب الثوب بتملك الصبغ بقيمته وظاهر العبارة انحصار الحكم فيما ذكر وقال أبو عصمة في مسألة الغصب إن شاء رب الثوب باعه فيضرب كل واحد منهما بقيمة ماله. وهذا وجه حسن في وصول حق كل واحد منهما إلى صاحبه وتتأتى بغرامة يضمن فيها مثل هذا فيما إذا كان انصبغ بنفسه أيضا والجواب في اللت كالجواب في الصبغ أنه يضمن مثل السويق وفي الصبغ قيمته؛ لأن السويق والسمن من ذوات الأمثال بخلاف الصبغ والثوب قال في الكافي قال في المبسوط يضمن قيمة سويقه؛ لأنه يتفاوت القلي فلم يكن مثليا كالخبز وما روي عن الإمام أنه إذا صبغ الثوب أسود فهو نقصان وعندهما أنه زيادة كالحمرة والصفرة راجع إلى اختلاف عصر وزمان، فإن بني أمية في زمانه كانوا يمنعون عن لبس السواد وفي زمانهما بنو العباس كانوا يلبسون السواد ولا خلاف في الحقيقة ولهذا لم يتعرض في المختصر للون الصبغ؛ لأن من الثياب ما يزاد بالسواد ومنها ما ينقص والمعتبر هو الزيادة والنقصان حقيقة فلو صبغه فنقصه الصبغ بأن كانت قيمته ثلاثين درهما فرجعت بالصبغ إلى عشرين فعند محمد ينظر إلى ثوب يزيد فيه ذلك الصبغ، فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ رب الثوب ثوبه وخمسة؛ لأن صاحب الثوب وجب له على الغاصب ضمان نقصان قيمة ثوبه عشرة ووجب عليه للغاصب قيمة صبغه خمسة فالخمسة بالخمسة قصاصا ويرجع عليه بما بقي من النقصان وهو خمسة رواه هشام عن محمد. قال الشارح وهو مشكل من حيث إن المغصوب منه لم يصل إليه المغصوب كله، وإنما وصل إليه بعضه وكان من حقه أن يطالب إلى تمام حقه فكيف يتوجه عليه الطلب وهو لم ينتفع بالصبغ شيئا ولم يحصل له به إلا تلف ماله وكيف يسقط عن الغاصب بعض قيمة المغصوب بالإتلاف والإتلاف مقرر لوجوب جميع القيمة فكيف صار مسقطا له هنا ولك أن تقول لا إشكال؛ لأن الشارع ناظر إلى حق كل منهما فلو ألزمناه أن يدفع العشرة ضاع مال الغاصب وهو الصبغ مجانا وذلك ظلم والظالم لا يظلم فأوجبناها على رب الثوب فوصل إلى المغصوب منه كما ذكر كل حقه ما عليه وما بقي له كون الإتلاف مقررا لا ينافي كونه مسقطا؛ لأن الإتلاف بالنظر إلى النقصان والإسقاط بالنظر إلى عين الصبغ فتأمل قال في المحيط ولو غصب صاحب الثوب عصفرا وصبغ به ثوبه فعليه مثله؛ لأنه مثلي ولو غصب من رجل ثوبا ومن آخر عصفرا ضمن مثل عصفره وخير رب الثوب كما ذكرنا ولو غصب ثوبا وعصفرا من رجل واحد وصبغه به كان لربهما أن يأخذه مصبوغا وبرئ الغاصب من الضمان، وإن شاء ضمنه قيمة ثوبه ومثل عصفره ولو كان العصفر لرجل والثوب لآخر فرضيا أن يأخذ الثوب مصبوغا كما لو كان لواحد ليس لهما ذلك؛ لأنه لما اختلف المالك كان خلط المالين استهلاكا من كل وجه وإذا اتخذ المالك يكون الخلط استهلاكا من وجه دون وجه ولو صبغ الراهن الثوب بعصفر خرج عن الرهن وضمن قيمته ولو كان الثوب والعصفر رهنا كان للمرتهن أن يضمنه قيمة الثوب ومثل عصفره، وإن شاء رضي بأن يكون الثوب المصبوغ رهنا في يده في المنتقى. قال هشام سألت محمدا عن رجل غصب من رجل ألف درهم وخلط بها دراهم من ماله قال مذهب أبي يوسف في هذا الباب أن دراهم المخالط إذا كانت أكثر فهو مستهلك وضمن الدراهم المغصوب، وإن كانت دراهم الخالط أقل فالمغصوب منه بالخيار إن شاء ضمنه دراهمه، وإن شاء شاركه بالمخلوط بقدر دراهمه قلت: فإن كانا سواء فما مذهب أبي يوسف قال لا أدري، أما قولهما فالمغصوب منه بالخيار على كل حال إن شاء ضمن الغاصب دراهمه، وإن شاء كان شريكا فيهما وأفاد بقوله: وإن صبغ أن ذلك حصل بصنعه فلو حصل بغير صنعه لا يكون الحكم كذلك ولهذا روى هشام عن محمد فقال إذا كان مع رجل سويق ومع رجل آخر سمن أو زيت فاصطدما فانصب زيت هذا أو سمنه في سويق هذا، فإن صب السويق يضمن لصاحب السمن أو الزيت مثل سمنه أو زيته؛ لأن صاحب السويق استهلك سمن هذا ولم يستهلك صاحب السمن سويق هذا أو سمنه في سويق هذا، فإن صاحب السويق يضمن لصاحب السمن ولأن هذا زيادة في السويق، وإن كان مع أحدهما سويق ومع الآخر نورة فاصطدما فانصب سويق هذا في نورة هذا، فإن شاء صاحب السويق أخذ سويقه ناقصا وأعطى الآخر مثل النورة، وإن شاء ضمن صاحب النورة مثل كيل سويقه وسلم سويقه إليه أو ضمن صاحب السويق لصاحب النورة مثل كيل نورته وفي الذخيرة وإذا فعل ذلك غيرهما وذهب فليس لصاحب النورة على صاحب السويق شيء والسويق لصاحب السويق وفي الخانية. ولو اختلط نورة رجل بدقيق آخر بغير صنع أحد يباع المختلط ويضرب لكل واحد منهما بقيمة نصيبه مختلطا؛ لأن هذا نقصان حصل لا بفعل أحد فليس أحدهما بإيجاب النقصان عليه بأولى من الآخر وفي جامع الجوامع صب رديئا على جيد ضمن مثل الجيد، وإن كان قليلا، وإن كان شريكا بقدر ما صب من الجنس فيه وفي التجريد عن أبي يوسف فيمن صب طعاما على طعام إن كان طعامه أكثر كان ضامنا، وإن كان طعامه أقل لم يكن ضامنا ولم يصر مستهلكا وفي الخانية رجل جاء إلى خل إنسان وصب فيها خمرا وهما نصفان قال لصاحب الخمر أن يأخذ نصف الخل وعن أبي القاسم رحمه الله تعالى رجل غصب خمرا وجعلها في حبه وصب فيها خلا من عنده فصار الخمر خلا قال يكون الخمر للغاصب قياسا وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى قيل الخل يكون بينهما على قدر حقهما؛ لأنه صار كأنهما خلطا خلهما قال وبه نأخذ كذا في الأصل وفي المنتقى عن محمد رجل معه دراهم ينظر إليها فوقع بعضها في دراهم رجل فاختلط كان ضامنا لها والله تعالى أعلم لما فرغ من بيان كيفية ما يوجب الملك للغاصب بالضمان شرع في ذكر مسائل تتصل بمسائل الغصب قال رحمه الله: (غيب المغصوب وضمن قيمته ملكه) وقال الإمام الشافعي رحمه الله لا يملكه؛ لأن الغصب محظور فلا يكون سببا للملك كما في المدبر وهذا؛ لأن الملك مرغوب فيه فلا ينال بالمحرم؛ لأنه منهي عنه؟ لقوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} والغصب ليس فيه تراض ولنا أن المالك ملك بدل المغصوب رقبة ويدا فوجب أن يزول ملكه عن المبدل إن كان يقبله دفعا للضرر عن الغاصب وتحقيقا للعدل حتى لا يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد ولأن الفائت بفعل الغاصب هو اليد دون الملك إذ ملكه قائم في العين فلا يكون بدلا عن العين ولهذا قلنا لو كسر قلب غيره وقضى القاضي عليه بالقيمة وأخذ القلب ثم افترقا قبل القبض لا يبطل القضاء ولو كان بدلا عن العين لبطل كونه صرفا ولا تقول لو كان بدلا عما فات من اليد مع بقاء العين في ملكه لكان إجحافا بالغاصب بإزالة ملكه وإثبات الملك فيه للمغصوب منه بمقابلة عين في ملكه مع إمكان تحقيق العدل بينهما وهذا خلف؛ لأن هذا من ضرورة القضاء بقيمة العين وزوال ملكه عنها والجواب عن الآية أن الرضا قد وجد منه لما طلب القيمة ولا يقال لو غصب مدبرا وغيبه لا يملكه؛ لأنا نقول المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى آخر. ولم يتعرض المؤلف لما إذا غاب المغصوب بغير صنع من الغاصب بأن كان عبدا فأبق عنده، فإنه إذا ضمن قيمته ملكه كما ذكر فلو قال غاب مكان غيب لكان أولى؛ لأنه إذا ملكه فيما إذا غاب بغير صنعه علم الحكم فيما إذا كان بصنعه بطريق الأولى ولم يتعرض لما إذا غاب المغصوب منه وترك العين روى ابن سماعة عن محمد للقاضي أن يأخذ المال من الغاصب والسارق إذا كان المالك غائبا ويحفظ عليه، فإن ضاع ثم خاصم صاحب المال فله أن يضمن الغاصب ولا يبرأ بأخذ القاضي. ا هـ. وفي الخانية غاب المغصوب منه فطلب الغاصب من القاضي أن يأذن له بالإنفاق ليرجع بذلك على المالك لا يجيبه القاضي إلى ذلك والنفقة تكون على الغاصب ولو قضى القاضي بالإنفاق على المغصوب منه لا يجب عليه منه شيء، وإن رأى القاضي أن يبيع العبد أو الدابة ويمسك الثمن فلو فعل ذلك صح. ا هـ. غصب جارية قيمتها ألف فغصبها منه آخر فأبقت الجارية يضمن الغاصب الثاني للغاصب الأول؛ لأن للأول أخذها لو كانت قائمة ليتمكن من ردها إلى المالك فيبرأ عن الضمان، فإن أخذ القيمة فلا سبيل للمالك على الغاصب الثاني؛ لأنه خرج عن عهدة الضمان برد القيمة؛ لأن رد القيمة حال عجزه عن رد العين كرد العين، فإن كانت القيمة قائمة عنده فللمالك أخذها؛ لأنها نزلت منزلة العين. فإن كانت هالكة يلزمه الضمان لولي الجارية؛ لأنه بمنزلة ما لو استرد الجارية وهلكت عنده؛ لأنه لا يخرج عن عهدة الضمان ما لم يردها إلى المالك، وإن كانت قيمتها ألفا عند الأول فقبضها الثاني وقيمتها ألفان فأبقت من يد الثاني وأخذ الأول من الثاني ألفي درهم وهلكت من يد الأول لم يكن للمالك أن يضمن الأول ألفي درهم، وإنما يضمنه قيمتها يوم الغصب ألف درهم؛ لأن الألف الثانية أمانة في يده؛ لأنها حدثت بعد الغصب الأول والزيادة الحادثة في يد الغاصب أمانة كالزيادة في عين المغصوب، فإن ظهرت الجارية والقيمة في الأول فالمولى بالخيار إن شاء أخذ الجارية، وإن شاء أخذ القيمة، وإن شاء ضمن الأول قيمتها يوم غصبها منه أراد بالتضمين أن يأخذ القيمة من الأول برضاه فيكون بمنزلة المبيع منه؛ لأن الجارية لما عادت من الإباق فقد قدر الأول على رد المغصوب والغاصب ما دام قادرا على رد المغصوب ليس للمالك أن يضمنه قيمته إلا برضاه والغاصب الأول لما ضمن الثاني القيمة فقد ملك الجارية منه حكما فصار كما لو غصب الجارية من الثاني بغير أمر المولى فيتوقف البيع على إجازته إن شاء رده وأخذ الجارية، وإن شاء أجازه وأخذ بدلها، فإذا أخذ المولى الجارية رجع الثاني على الأول بالقيمة؛ لأنه بدل لم يسلم له كذا في المحيط قال رحمه الله: (والقول في القيمة للغاصب مع يمينه والبينة للمالك)؛ لأن الغاصب منكر والمالك مدع ولو أقام الغاصب البينة لا تقبل؛ لأنها تنفي الزيادة والبينة على النفي لا تقبل ذكره في النهاية ثم قال وقال بعض مشايخنا ينبغي أن تقبل بينة الغاصب ألا ترى أن المودع إذا ادعى رد الوديعة يقبل وكان أبو علي النسفي يقول هذه المسألة عدت مشكلة ومن المشايخ من فرق بين هذه المسألة وبين مسألة الوديعة وهو الصحيح؛ لأن المودع ليس عليه إلا اليمين وبإقامة البينة أسقطها فارتفعت الخصومة، أما الغاصب فعليه اليمين والقيمة وبإقامة البينة لم يسقط إلا اليمين فلا يكون في معنى المودع كذا في العناية قال رحمه الله: (وإن ظهر وقيمته أكثر وقد ضمنه بقول المالك أو ببينة أو بنكول الغاصب فهو للغاصب ولا خيار للمالك)؛ لأنه رضي به وتم ملكه برضاه حيث سلم له ما ادعاه ولم يتعرض كثير لقدر الزيادة وفي المجتبى لو ظهر وقد زادت قيمته دانقا فللمالك ما ذكر من الأحكام وقوله وقيمته أكثر قيد في هذه المسألة لا في التي بعدها كما سيأتي قال رحمه الله: (وإن ضمنه بيمين الغاصب) فالمالك يمضي الضمان أو يأخذ المغصوب ويرد العوض لعدم تمام رضاه بهذا القدر من الضمان، وإنما أخذ دون القيمة لعدم الحجة لا للرضا به ولو ظهر المغصوب وقيمته مثل ما ضمنه به أو أقل من هذه الصورة وهي ما إذا ضمنه بقول الغاصب مع يمينه قال الكرخي رحمه الله لا خيار له؛ لأنه توفر عليه مالية ملكه بكماله وفي ظاهر الرواية يثبت له الخيار وهو الأصح؛ لأن ثبوت الخيار لفوات الرضا وقد فات هنا حيث لم يحصل له ما يدعيه وله أن يبيع ماله إلا بثمن يختاره ويرضى به وكان له الخيار ثم إذا اختار المالك أخذ العين فللغاصب أن يحبس العين حتى يأخذ القيمة التي دفعها إليه؛ لأنها مقابلة بالعين بخلاف المدبر؛ لأنه غير مقابل به بل بما فات من البدل على ما بينا قال في المحيط ولو اختلفا في عين المغصوب أو في صفته أو في قيمته وقت الغصب فالقول للغاصب؛ لأن المالك يدعي عليه زيادة مقدار أو زيادة ضمان وهو منكر فيكون القول للمنكر ولو غصب من رجل ثوبا فضمن عنه رجل قيمته واختلفوا في القيمة فقال الكفيل عشرة وقال الغاصب عشرون وقال المالك ثلاثون فالقول للكفيل ولا يصدق واحد منهما عليه؛ لأن المكفول له يدعي على الكفيل زيادة وهو ينكر والغاصب يدعي زيادة عشرة وإقرار المقر يصح في حقه ولا يصح في حق غيره فيلزمه عشرة أخرى دون الكفيل ولو قال الغاصب رددت المغصوب عليه وقال المالك لا بل هلك عندك فالقول للمالك؛ لأنه أقر بسبب الوجوب ثم ادعى ما يبرئه فلا يصدق إلا بحجة كما لو قال أخذت مالك بإذنك أو أكلت مالك بإذنك وأنكر صاحب المال الإذن ولو أقام الغاصب البينة أنه رد الدابة المغصوبة وأقام المالك البينة بأن الدابة تعيبت من ركوبه أو أتلفها الغاصب ضمن الغاصب؛ لأنه لا تناقض ولا تنافي بين البينتين لجواز ردها إليه ثم ركبها بعد الرد وتعيبت من ركوبه ويكون هذا غصبا مستأنفا فيعمل بالبينتين على هذا الوجه توفيقا وتلفيقا بينهما ولو أقام الغاصب البينة أنه ردها ونفقت عنده وأقام المالك البينة أنها أنفقت عند الغاصب ولم يشهدوا أنها نفقت من ركوبه لا ضمان عليه؛ لأنا متى جعلنا أن الغاصب ردها ثم نفقت بعد الرد فلا يثبت منه غصبا مستأنفا ولو أقام المالك البينة أنه مات المغصوب عند الغاصب وأقام الغاصب البينة أنه مات عند المالك فبينة الغاصب أولى؛ لأن بينة المالك قامت على الموت لا على الغصب؛ لأنه ثابت بإقرار الغاصب والضمان يجب بالغصب لا بالموت فلا يفيد إقامة البينة على الموت وبينة الغاصب مثبتة للرد؛ لأنها مثبتة للموت في يد المالك ويتعلق به الرد وكانت أولى ولو أشهد الغاصب بأنه مات في يد مولاه قبل الغصب لم تقبل هذه الشهادة؛ لأن موته في يد مولاه قبل الغصب لم يتعلق به حكم؛ لأنه لا يفيد الرد، وإنما يفيد نفي الغصب وبينة المولى تثبت الغصب والضمان فكانت أولى وفي النوادر ولو أقام المالك البينة أنه كان يوم النحر بمكة فالضمان واجب على الغاصب؛ لأنه كونه بمكة لا يتعلق به حكم فسقطت بينته وبينة المالك تثبت الغصب والضمان رجل في يده جبة ادعى آخر أنه غصبها منه فأقر له بالظهارة وبالبطانة فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه أقر بغصب أحدهما وأنكر غصب أحدهما ويضمن قيمة الظهارة؛ لأنه أحدث في الظهارة صفة متقومة وهو التضريب على البطانة وقد استهلكها من وجه؛ لأن الظهارة صارت تابعة لملك الغاصب وهو الحشو والبطانة؛ لأنه ما أكثر من الظهارة فيصير الأقل تابعا للأكثر صيانة لحق الغاصب كما في الساحة يدخلها في بنائه قال رحمه الله: (وإن باع المغصوب فضمنه المالك نفذ بيعه، وإن حرره ثم ضمنه لا) أي لو باع الغاصب المغصوب أو أعتقه ثم ضمنه المالك قيمته نفذ بيعه ولا ينفذ عتقه والفرق بينهما أن ملك الغاصب ناقص؛ لأنه يثبت مستندا أو ضرورة وكل ذلك ثابت من وجه دون وجه ولهذا لا يظهر الملك في حق الأولاد ويظهر في حق الأكساب؛ لأن للولد أصلا من وجه قبل الانفصال وبعده أصل من كل وجه والكسب تبع من كل وجه لكونه بدل المنفعة وهو نفع محض والملك الناقص يكفي لنفوذ البيع دون العتق ألا ترى أن البيع ينفذ من المكاتب بل من المأذون دون عتقهما ولا يشبه هذا عتق المشتري من الغاصب حيث ينفذ بإجازة المالك البيع عند أبي حنيفة وأبي يوسف وكذا بضمان الغاصب القيمة في الأصح؛ لأن العتق ترتب على سبب ملك قام بنفسه موضوع له فينفذ العتق بنفوذ السبب والدليل على أنه أقام أن الإشهاد يشترط في النكاح الموقوف عند العقد لا عند الإجازة ولو لم يكن قام لاشترط عند الإجازة ولهذا لو تصارف الغاصبان وتقابضا وافترقا وأجاز المالكان بعد الافتراق جاز الصرف وكذا البيع يملك عند الإجازة بزوائده المتصلة والمنفصلة ولو لم يكن تاما بنفسه لما كان كذلك ولا يشترط قيام الثمن وقت الإجازة أو لو لم يكن عالما بقيام المبيع بأن كان قد أبق العبد من يد المشتري ذكره في ظاهر الرواية قيد بإعتاق الغاصب ثم يضمنه احترازا عن إعتاق المشتري من الغاصب ثم تضمين الغاصب، فإنه في رواية يصح وهو الأصح وفي رواية لا يصح كذا في العناية قال رحمه الله: (وزوائد المغصوب أمانة فتضمن بالتعدي) أي بالمنع بعد طلب المالك وقال الشافعي هي مضمونة على الغاصب ولا فرق بين أن تكون الزيادة متصلة أو منفصلة أو كانت بالعسر ولنا أن الغصب إزالة يد المالك عنه وإثبات يد الغاصب ولا يتحقق ذلك في الزيادة؛ لأنها لم تكن في يد المالك فلا تضمن إلا بالتعدي أو بالمنع عند طلبه؛ لأنه يصير متعديا به، وإنما ضمن ولد الظبية التي أخرجها من الحرم فولدت لوجود المنع من الرد؛ لأن الرد وجب عليه إلى الحرم لحق الشرع حتى لو ردها وهلكت قبل تمكنه من الرد لا يضمن لعدم المنع على هذا أكثر مشايخنا ولو قلنا بوجوب الضمان مطلقا تمكن من الرد أو لم يتمكن فهو ضمان إتلاف؛ لأن الصيد كان في الحرم أمينا يبعده عن أيدي الناس وقد فوت الأمن بإثبات اليد عليه فتحققت الجناية عليه لذلك ولهذا لو أخرج جماعة محرمون صيدا واحدا من الحرم يجب على كل واحد منهم جزاء كامل ولو كان ضمان الغصب لوجب عليهم قيمة واحدة وفي العناية واعترض على الدليل بأنه يقتضي أن يضمن الولد إذا غصب الجارية كاملا؛ لأن اليد كانت ثابتة عليه وليس كذلك، فإنه لا فرق بينه وبين ما إذا غصبها غير حامل فحبلت في يده فولدت والرواية في الأسرار وأجيب بأن الحبل قبل الانفصال ليس بمال بل يعد عيبا في الأمة فلم يصدق عليه إثبات اليد على مال الغير سلمنا ذلك لكن لإزالة ظاهرا وفي الكافي ولو باع الغاصب الأصل والزوائد وسلم والزيادة متصلة، فإن كان قائما أخذه صاحبه، وإن كان هالكا فهو بالخيار إن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب، وإن شاء ضمن المشتري قيمته يوم القبض وليس له أن يضمن البائع وفي العناية لو كفل إنسان عن الغاصب بغير أمره وأدى الضمان فالعبد له وفي الينابيع ولو أبق العبد من الغاصب فالجعل على المولى عند أبي يوسف ولا يرجع به الغاصب وقال محمد يرجع على الغاصب. ا هـ. قال رحمه الله: (وما نقصت الجارية بالولادة مضمون ويجبر بولدها) يعني إذا ولدت الجارية المغصوبة فنقصت بالولادة فهو مضمون على الغاصب ويجبر بولدها إذا كان في قيمته وفاء بالنقصان، وإن لم يكن يسقط بقدره وقال زفر والشافعي لا يجبر النقصان بالولد؛ لأن الولد ملكه فكيف يجبر ملكه فصار كولد الظبية المخرجة من الحرم وكما لو هلك الولد قبل الرد أو هلكت الأم بالولادة أو غيرها من الأسباب ولنا أن سبب النقصان والزيادة واحد وهو الولادة؛ لأنها أوجبت فوات جزء من مالية الأم وجددت مالية الولد؛ لأن الولد إنما صار مالا بالانفصال وقبله لا يعتد به ألا ترى أنه لا يجوز التصرف فيه بيعا وهبة ونحوه، فإذا صار مالا به انعدم ظهور النقصان به فانتفى الضمان فصار كما إذا شهد الشهود بالبيع بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعوا عن الشهادة لا يضمنون لأنهم اختلفوا بالشهادة قدر ما أتلفوا بها فلا يعد إتلافا لاتحاد السبب كذا هذا وكما إذا قطعت يده عند الغاصب فرده مع أرش اليد، فإنه يجبر نقصانه بالأرش لما ذكرنا من اتحاد السبب؛ لأن السبب الواحد لما أثر في الزيادة والنقصان كانت الزيادة خلفا عن النقصان ولأن الواجب على الغاصب أن يرد ما غصب أو ماليته كما لو غصب من غير نقصان، فإن فعل ذلك برئ من الضمان. ألا ترى أنه لو غصب جارية سمينة فمرضت عنده وهزلت ثم تعافت وسمنت ثم عادت مثل ما كانت فردها لا ضمان عليه ولو كان مطلق الفوات يوجب الضمان لضمن وكذا إذا سقط سن منها أو قلعه الغاصب فنبتت مكانه أخرى فردها سقط ضمانها، وقولهما كيف يجبر ملكه بملكه قلنا ليس هذا جبرا في الحقيقة، وإنما هو اعتبار الملك منفصلا بعضه عن بعض بعد أن كان متحدا كما إذا غصب نقرة فضة فقطعها، فإنه يردها ولا شيء عليه غيرها إذا لم ينقص بالقطع وولد الظبية ممنوع، فإن نقصانها يجبر بولدها عندنا فلا يرد علينا وكذا إذا ماتت الأم ممنوعة في رواية عند أبي حنيفة، فإنه روي عنه أن الأم إذا ماتت وفي الولد وفاء بقيمتها برئ الغاصب برده عليها وفي رواية عنه أنه يجبر بالولد قدر نقصان الولادة ويضمن ما زاد على ذلك من قيمة الأم وفي ظاهر الرواية عليه قيمتها يوم الغصب وتخريجه أن الولادة ليست سببا لموت الأم إذ لا يفضي إليه غالبا فيكون موتها بغير الولادة من العوارض وهي ترادف الأم وضيق المخرج فلم يتحد سبب النقصان والزيادة وكلامنا فيما إذا اتحد. أما إذا مات الولد قبل الرد فلأنه لم يحصل للمالك مالية المغصوب ولا بد منه لبراءة الغاصب والخصاء ليس بزيادة؛ لأنه غرض لبعض الفسقة ولذا لو غصب الخصي وهلك عنده لا تجب عليه قيمته خصيا، وإنما يجب عليه قيمته غير خصي وكذا لو رده الغاصب بعدما خصاه لا يرجع على المالك بما زاده بالخصاء ولو كانت الزيادة معتبرة لرجع عليه بالزيادة كما يرجع بما زاد الصبغ المصبوغ كذا ذكروه وهذا يفيد أنه يجب عليه ضمان ما نقص بالخصاء مع رده، وإن زادت قيمته به وهو مشكل، فإن الغاصب إذا خصاه وازدادت به لا يجب عليه ضمان ما فات بالخصاء مع رد المخصي بل يخير المالك إن شاء ضمنه قيمته يوم غصبه وترك المخصي للغاصب، وإن شاء أخذه ولا شيء له غيره ذكره في النهاية معزيا إلى التتمة وقاضي خان وكان الأقرب هنا أن يمنع فلا يلزمنا ولا اتحاد في السبب فيما عدا ذلك من المسائل؛ لأن سبب النقصان القطع والجزء وسبب الزيادة النمو وسبب النقصان التعليم وسبب الزيادة الفطنة من العبد وفهمه أطلق في قوله وما نقصت الجارية بالولادة فشمل ما إذا حبلت في يد الغاصب من وجه حلال أو حرام وموضوع المسألة في الثاني فكان عليه أن يقيد به أما الثاني فقال في المحيط. ولو جعلت في يد الغاصب من زوج كان لها عند المالك أو أحبلها المولى لا يضمن الغاصب؛ لأن النقصان بسبب من جهة المولى وهو إحباله أو تسليط الزوج عليها فصار كما لو قتلها في يد الغاصب ولو غصب جارية حاملا أو محمومة أو مجروحة فماتت في يده من ذلك يضمن قيمتها وبها ذلك العيب ولو حمت في يد الغاصب أو ابيضت عيناها فردها فضمان النقصان على الغاصب، فإن زال في يد المالك ما كان بها من حمى أو بياض العين يرد المالك على الغاصب النقصان فصار كما لو حلق شعر إنسان وأخذ بدله ثم نبت ولو غصب جارية فولدت عند الغاصب ثم غصبها وولدها من الغاصب رجل آخر فضمن المالك الغاصب الأول قيمة الأم فللغاصب أن يضمن الثاني قيمة الأم والولد ويتصدق بقيمة الولد ولو ولدت في يد الغاصب فجحدها وولدها يضمن قيمتها يوم غصبها وولدها يوم الجحود وفي المنتقى ولو حمت في يد الغاصب ثم ردها على المولى فماتت من ذلك ضمنه المولى قيمة النقصان قال رحمه الله: (ولو زنى بمغصوبة فردت فماتت بالولادة ضمن قيمتها ولا يضمن الحرة) وهذا قول الإمام أبي حنيفة وقالا لا يضمن الأمة ويضمن نقصان الحبل؛ لأن الرد قد صح مع الحبل والحبل عيب فيجب عليه نقصان العيب وهلاكها بعد ذلك بسبب حادث عند المالك فلا يبطل به الرد كما إذا حمت في يد الغاصب فردها وماتت في تلك الحمى أو زنت عند الغاصب فردها وجلدت بعد الرد عند المالك وماتت من ذلك، فإنه لا يضمن إلا نقصان البيع وكذا إذا سلم البائع الجارية للمشتري حبلى ولم يعلم المشتري بالحبل وماتت من الولادة لم يرجع المشتري على البائع بشيء من الثمن اتفاقا وللإمام أن يردها كما أخذها؛ لأنه أخذها وليس فيها عيب التلف وردها وفيها ذلك فلم يصح الرد فصار كما جنت جناية في يد الغاصب فعلت بها بعد الرد ودفعت بها بعد الرد، فإنه يرجع بقيمتها على الغاصب بخلاف الحرة، فإنها لا تضمن بالغصب وفي فصل الشراء الواجب التسليم وبموتها بالولادة لا ينعدم التسليم وفي الغصب السلامة شرط لصحة الرد فما لم يرد مثل ما أخذ لا يعتد به فافترقا على أنه ممنوع وفي فصل الحمى الموت يحصل بزوال القوى وأنه يزول بترادف الآلام فلم يكن الموت حاصلا بسبب وجد في يد الغاصب فيجب عليه ضمان قدر ما كان عنده دون الزيادة أقول: يرد عليهم في الظاهر أنهم جعلوا الولادة هاهنا سببا للهلاك وقد صرح فيما مر بأنها ليست سببا للموت فكان بين الكلامين تدافع وفي المحيط ولو سرقت عند الغاصب أو سرق العبد فرد فقطع عند المالك فعند الإمام يضمن الغاصب نصف القيمة وعندهما يضمن نقصان السرقة. ا هـ. قال رحمه الله: (ومنافع الغصب) هذا معطوف على الحرة في قوله ولا يضمن الغاصب منافع الغصب وقال الشافعي يضمن منافع الغصب؛ لأنها مال متقوم مضمون بالعقد كالأعيان ولنا أنها حصلت على ملك الغاصب فحدوثها في يده إذ هي لم تكن حادثة في يد المالك؛ لأنها أعراض لا تبقى فيملكها دفعا للحاجة والإنسان لا يضمن ملك نفسه قال ابن قاضي زاده وهنا سؤال لم أر كثيرا من الشارحين تعرض له وهو أن يقال لقائل أن يقول مقتضى هذا الدليل أن لا تجب الأجرة على المستأجر فيما إذا حدث المنافع في يده كما في استئجار الدور والأراضي والدواب ونحوها؛ لأن الإنسان كما لا يضمن ملكه لا يجب عليه الأجرة بمقابلة ملكه مع أنه تجب عليه الأجرة بالإجماع وأجاب عنه في غاية البيان أن الأجرة عندنا لا تجب بمقابلة المنافع بل بالتمكن منها من جهة المالك وهذا السؤال ساقط من أصله؛ لأن الغاصب يزعم حدوث المنافع على ملك نفسه والمستأجر يعتقد حدوثها على ملك المؤجر فافترقا وقوله بالإتلاف متعلق أيضا بالمنافع يعني وكذا منافع الغصب لا تضمن بالإتلاف؛ لأنه لا يخلو إما أن يرد عليها الإتلاف قبل وجودها أو حال وجودها أو بعد وجودها وكل ذلك محال أما قبل وجودها فلأن إتلاف المعدوم لا يمكن، أما حال وجودها فلأن الإتلاف إذا طرأ على الموجود رفعه، فإذا قاربه منعه، أما بعد وجودها فلأنها تنعدم كما وجدت فلا يتصور إتلاف المعدوم ولأنا لو ضمناه المنافع لا يخلو إما أن تكون مضمونة بمثلها من المنافع؛ لأنه لا قائل بذلك ولا بالدراهم لعدم المماثلة والمماثلة شرط في ضمان العدوان للآية قال صاحب العناية واعترض بما إذا أتلف ما يتسارع إليه الفساد، فإنه يضمنه بالدراهم وهي لا تماثله فدل على أن المماثلة ليست بمعتبرة لا يقال منافع الغصب مضمونة عندكم في الوقف ومال اليتيم وما كان معدا للاستغلال وهذا التعليل جار فيه قلنا العلل على وفق القياس والقول بضمان المنافع فيما ذكر وجه الاستحسان قال رحمه الله: (وخمر المسلم وخنزيره بالإتلاف) أي لا يضمنهما؛ لأنهما ليسا بمتقومين في حق المسلم، وإنما يصير متقوما باعتبار دين المغصوب منه بأنه متقوم أو يتعين بنفسه إلى التقوم وفي شرح الطحاوي لا يضمن سواء أتلفه مسلم أو ذمي قال رحمه الله: (ويضمن لو كانا لذمي) يعني يضمن إذا أتلف خمر الذمي أو خنزيره وقال الإمام الشافعي لا يضمن لقوله عليه الصلاة والسلام: «فإذا قبلوا عقد الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم» ولأن حقهم لا يزيد على حق المسلم ولنا أن أمرنا أن نتركهم وما يدينون ولقول عمر لما سأل عماله ماذا يصنع بما يمر به أهل الذمة من الخمور فقالوا نعشرها قال لا تفعلوا وولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها فلولا أنها متقومة وبيعها جائز لهم لما أمرهم بذلك من غير إنكار فكان إجماعا. وأورد على هذا الدليل في العناية فقال لم لا نتركهم وما يدينون في بعض الأمور كإحداث بيعة وكنيسة وكركوب الخيل وحمل السلاح، فإنهم يمنعون منها ولأن الأمر باجتناب الرجس يتناول المسلم فبقي في حق الكافر على ما كان بخلاف الميتة والدم؛ لأن أحدا لا يعتقد تقومهما وبخلاف الربا، فإنه مستثنى من عقودهم لقوله عليه الصلاة والسلام: «إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد» وبخلاف العبد المرتد يكون للذمي، فإنا نقتله؛ لأنا ما ضمنا لهم ترك التعرض لما فيه من الاستحقاق بالدين وبخلاف متروك التسمية عمدا، فإذا كان الذابح من المسلمين؛ لأن ولاية السيف والمحاجة ثابتة فيمكن إلزامه فلا يجب على متلفه الضمان، أما إذا أتلف المسلم خمر الذمي تجب عليه قيمته، وإن كان مثليا؛ لأن المسلم ممنوع من تملكه وتمليكه بخلاف الذمي إذا استهلك خمر الذمي حيث يجب عليه مثله لقدرته عليه ولو أسلم الطالب بعدما قضى عليه بمثلها فلا شيء له على المطلوب؛ لأن الخمر في حقه ليس بمتقوم فكان بإسلامه مبرأ عما كان في ذمته من الخمر وكذا لو أسلما؛ لأن في إسلامهما إسلام الطالب ولو أسلم المطلوب ثم أسلم الطالب بعده قال أبو يوسف لا يجب عليه شيء وقال محمد يجب عليه قيمة الخمر وهي رواية عن الإمام؛ لأن الإسلام الطارئ بعد تقرر السبب كالإسلام المقارن للسبب وهو لا يمنع وجوب قيمة الخمر على المسلم. ولأبي يوسف إن قبض الخمر المستحق في الذمة فقد تعذر استيفاؤه بسبب الإسلام ولا يمكن إيجاب قيمتها أيضا؛ لأنه ممنوع منها وصار كما لو كسر قلبا لغيره ثم تلف المكسور في يد صاحبه ليس لصاحبه أن يضمن الكاسر شيئا؛ لأن شرط تضمين قيمته تمليك المكسور وذلك قد فات ودليله مذكور في المطولات وفي التتارخانية ولو أتلف موقوذة المجوسي مسلم الصحيح أنه يضمنها ولم يتعرض الشارح لما يلزمه في إتلاف خنزير الذمي والظاهر أنه يضمن قيمته كما لو كان شاة كما في موقوذة المجوسي أخذا من قولهم الخنزير في حقهم كالشاة في حقنا والتفصيل المتقدم في الإسلام في خمر الذمي يجري كذلك في خنزيره وقد قال الفقير هذا من غير أن يجد نقلا ثم ظفرت بالنقل وفي التتارخانية، وإن كان الخمر والخنزير لذمي يجب على متلفهما سواء كان المتلف مسلما أو ذميا غير أن المتلف إن كان ذميا، فإنه يجب عليه مثل الخمر، وإن كان المتلف مسلما يجب عليه قيمة الخمر وفي الخنزير يجب عليهما القيمة؛ لأن الخنزير لا مثل له من جنسه وفي التتارخانية أو كسر بيضة أو جوزة فوجد داخلها فاسدا فلا ضمان عليه وكذا لو كسر دراهم إنسان ثم ظهر أنها ستوقة فلا ضمان عليه وإذا أفسدتا ليف حصر إنسان. فإن أمكن إعادته كما كان أمرناه بها فصار كما لو غصب سلم إنسان وفرق سياهها، وإن لم يمكن الإعادة كما كان سلم المنقوض سياها وضمن قيمة الحصر صحيحا وفي آن العيون غصب من آخر عبدا قيمته خمسمائة فخصاه فصار يساوي ألفا نص محمد أن صاحب الغلام بالخيار إن شاء ضمنه قيمته يوم خصائه، وإن شاء أخذ الغلام ولا شيء له وقال بعض مشايخنا يقوم الغلام بكم يشترى للعمل قبل الخصاء ويقوم بعد الخصاء فيرجع بفضل ما بينهما قال الصدر الشهيد حسام الدين وهذا خلاف ما حفظناه من مشايخنا والمحفوظ المتقدم قال رحمه الله: (وإن غصب خمرا من مسلم فخلله أو جلد ميتة ودبغ فللمالك أخذهما ورد ما زاد الدباغ فيه) يعني يأخذ الخل بغير شيء والجلد المدبوغ يأخذه ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه والمراد بالأول إذا خللها بالنقل من الشمس إلى الظل ومن الظل إلى الشمس وبالثاني إذا دبغه بما له قيمة كالعفص والقرظ ونحو ذلك والفرق أن التخليل مطهر لها بمنزلة غسل الثوب النجس فيبقى على ملك المغصوب منه؛ لأن المالية لا تثبت بفعله وبالدباغ اتصل بالجلد مال متقوم كالصبغ في الثوب فلهذا يأخذ الخل بغير شيء ويأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه وطريق معرفته أن ينظر إلى قيمة الجلد غير مدبوغ وإلى قيمته مدبوغا فيضمن ما فضل بينهما وللغاصب أن يحبسه حتى يستوفي حقه كحبس المبيع بالثمن والرهن بالدين والعبد الآبق بالجعل وأطلق في التخليل فشمل ما إذا خللها بما له قيمة أو لا لكن قال القدوري أما لو ألقى فيها ملحا أو خلل بما له قيمة فعند الإمام يصير الخل ملكا للغاصب ولا شيء عليه وعلى قولهما إن ألقى فيه الملح فللمالك أخذه ودفع ما زاد فيه قالوا ومعناه أن يعطيه مثل وزن الملح من الخل هكذا ذكروا وكأنهم اعتبروا الملح مائعا، وإن ألقى فيه الخل فهو بينهما، وإن استهلكه ضمن الخل، وإن غصب عصيرا فصار عنده خلا فله أن يضمنه مثله إن كان في حينه وقيمته إن كان في غير حينه ولو أراد رب العصير أن يأخذ القيمة الصحيح أنه ليس له ذلك. وعن الثاني لو غصب عصيرا فصار عنده خمرا أو لبنا حليبا فصار عنده مخيطا أو عنبا فصار زبيبا فالمغصوب منه بالخيار إن شاء أخذ ذلك ولا شيء له عليه، وإن شاء ضمنه مثله وسلم إليه وأطلق في الدباغ فشمل ما إذا دبغه بما له قيمة أو لا لكن قال في الأصل: وإن غصب جلد ميتة ودبغه، فإن دبغه بما لا قيمة له، فإنه يأخذه مجانا وفي الكافي، فإن دبغه بما له قيمة له أخذه وإعطاء ما زاد الدباغ وأطلق في الجلد فشمل ما إذا أخذه من منزل صاحبه أو أخذه من الطريق بعدما ألقاه صاحبه فيه لكن قال القدوري هذا إذا أخذه من منزله أما إذا ألقى صاحبه الميتة في الطريق وأخذها رجل ودبغها فليس له أن يأخذ الجلد وفي الذخيرة عن الثاني له أن يأخذ الجلد، وإن ألقاه صاحبه في الطريق ولو كان المدبوغ جلدا مذكى كان له ذلك قال مشايخنا لا يفرق بين جلد الميتة وجلد المذكى شيء ذهب إليه الحاكم الشهيد فالجواب في الميتة والمذكاة واحد قال رحمه الله: (وإن أتلفهما ضمن الخل فقط) يعني لو أتلف الغاصب الخل والجلد المدبوغ في يده قبل أن يردهما إلى صاحبهما ضمن الخل ولا يضمن الجلد المدبوغ وهذا قول الإمام وقالا يضمن قيمة الجلد مدبوغا أيضا ويعطي ما زاد الدباغ فيه؛ لأن ملكه باق فيه ولهذا يأخذه وهو مال متقوم فيضمنه له مدبوغا بالاستهلاك وللإمام أن ماليته وتقويمه حاصل بفعل الغاصب وفعله متقوم لاستعماله مالا متقوما فيه ولذا كان له حبسه والجلد تبع للملك وملكه باق فيه ثم قيل يضمن قيمة جلد مدبوغ ويعطي ما زاد الدباغ قال فخر الإسلام وغيره في شرح الجامع الصغير قولهما يعطي ما زاد الدباغ فيه محمول على ما إذا قوم الجلد بالدراهم والدباغ بالدنانير أما إذا قومهما بالدراهم أو بالدنانير فيطرح عنه ذلك القدر ويؤخذ منه الباقي وهو قيمة جلد مذكى غير مدبوغ وفي الكافي، وإن استهلكه يضمن قيمته طاهرا غير مدبوغ والجمهور على أنه يضمن قيمته مدبوغا ولو جعل الجلد فروا أو جرابا أو زقا لم يكن للمغصوب منه عليه سبيل، وإن خللها بصب الخل فيها قيل يكون للغاصب بغير شيء عند أبي حنيفة سواء صارت خلا من ساعتها بمرور الزمان عليها؛ لأن خلط الخل استهلاك واستهلاك الخمر لا يوجب الضمان وعندهما إن صارت خلا من ساعتها فكما قال أبو حنيفة إنه استهلاك، وإن صارت بمرور الزمان كان الخل بينهما على قدر حقوقهما كيلا وفي التتارخانية. وإذا غصب ترابا أو لبنة أو جعله آنية، فإن كان له قيمة فهو مثل الحنطة إذا طحن، فإن لم يكن له قيمة فلا شيء عليه من الضمان وفي القدوري المغصوب منه يكون أسوة للغرماء في الثمن ولا يكون أخص بشيء من ذلك وفي الذخيرة اتخذ كوزا من طين غيره كان الكوز له، فإن قال رب الطين أنا أمرته به فهو أحق به وفي نوادر ابن سماعة رجل هشم طشتا لغيره وهو مما يباع وزنا فربه بالخيار إن شاء أمسك الطشت ولا شيء له، وإن شاء دفعه وأخذ قيمته وكذا كل مصنوع قيد بقوله أتلفهما؛ لأنهما لو هلكا لا يضمن بالإجماع والمجمع عليه لا يحتاج إلى دليل؛ لأن دليله الإجماع ولم يظهر لهذا الاختلاف في التقويم فائدة عندي، فإن قيمة جلد مدبوغ بعد أن يطرح عنه قدر ما زاد الدباغ فيه قيمة جلد ذكي غير مدبوغ بعينها وقولهم لم ينظر إلى قيمته ذكيا غير مذبوح بعينها وإلى قيمته مذبوحا فيضمن فضل ما بينهما صريح في ذلك فما فائدة الاختلاف والمآل واحد ولهذا لو دبغه بما لا قيمة له يضمنه بالاستهلاك وفي السغناقي ومن أتلف الشاة المذبوحة المتروكة التسمية عمدا لا يضمن. ا هـ. قال رحمه الله: (ومن كسر معزفا أو أراق سكرا أو منصفا ضمن) هذا قول الإمام وقالا لا يضمنها؛ لأنها معدة للمعصية فيسقط تقومها كالخمر ولأنه فعله بإذن الشارع لقوله عليه الصلاة والسلام: «بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير» ولقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا رأى أحدكم منكرا فلينكره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» والكسر هو الإنكار باليد ولهذا لو فعله بإذن ولي الأمر وهو الإمام لا يضمن فبإذن الشارع أولى وللإمام أنه كسر ما لا ينتفع به من وجه آخر سوى اللهو فلا تبطل قيمته لأجل اللهو كاستهلاك الأمة المغنية؛ لأن الفساد مضاف إلى فعل الفاعل مختار والأمر باليد فيما ذكر هو في حق الإمام وأعوانه لقدرتهم عليه وليس لغيرهم إلا باللسان على أنه يحصل بدون الإتلاف كالأخذ ثم يضمن قيمتها صالحة لغير اللهو كما في الأمة المغنية والكبش النطوح والحمام الطيارة والديك المقاتل والعبد الخصي ويضمن قيمة السكر والمنصف لا المثل؛ لأن المسلم ممنوع من تملك عينه. وإن جاز فعله بخلاف الصليب حيث يضمن قيمته صليبا؛ لأنه مال متقوم وقد أمرنا بتركهم وما يدينون قيل الخلاف في الدف والطبل اللذان يضربان للهو أما الدف والطبل اللذان يضربان في العرس والغزو فيضمن اتفاقا ولو شق زقا فيه خمر يضمن عندهما لإمكان الإراقة بدونه وعند أبي يوسف لا يضمن؛ لأنه قد لا تتيسر الإراقة إلا به وفي العيون يضمن قيمة الزق وذكر في النهاية أنه لا يضمن الدنان إلا إذا كسر بإذن الإمام والفتوى في زماننا على قولهما لكثرة الفساد وذكر في النهاية عن الصدر الشهيد يهدم البيت على من اعتاد الفسوق وأنواع الفساد وقالوا لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين وقيل يراق العصير أيضا قبل أن يتنبذ ويقذف بالزبد على من اعتاد الفسق وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه مر على نائحة في منزلها فضربها بالدرة حتى سقط خمارها قالوا يا أمير المؤمنين قد سقط خمارها فقال لا حرمة لها وتكلموا في معنى قوله لا حرمة لها قيل معناه لما اشتغلت بالمحرم فقد أسقطت حرمة نفسها وروي أن الفقيه أبا الليث البلخي خرج على بعض نهر فكان النساء على شاطئه كاشفات الرءوس والأذرع فقيل كيف تفعل فقال لا حرمة لهن إنما الشك في إيمانهن ثم الأمر بالمعروف فرض إن كان يغلب على ظنه أنه يقبل منه ولا يسعه تركه لو علم أنه يهان ويضرب ولا يصبر على ذلك أو تقع الفتن فتركه أفضل. ولو علم أنه يصبر على ذلك ولا يصل إلى غيره ضرر فلا بأس ولو علم أنهم يقبلون ذلك منه ولا يخاف منهم ضرر فهو بالخيار والأمر أفضل وفي التتارخانية يضمن قيمته خشبا منحوتا وفي المنتقى يضمن قيمته ألواحا أحرق بابا منحوتا عليه تماثيل منقوشة يضمن قيمته غير منقوش بتماثيل، فإن كان صاحبه قطع رءوس التماثيل ضمن قيمته منقوشا بمنزلة منقوش شجر أحرق بساطا فيه تماثيل رجال ضمن قيمته مصورا هدم بيتا مصورا بأسباع وتماثيل الرجال والطير ضمن قيمة البيت والأسباع غير مصور، فإن قلت لماذا ضمن في الباب غير منقوش وفي البساط مصورا قلت: لأن التصوير في البساط بالصوف وهو مال في ذاته بخلاف الخشب قال رحمه الله: (وصح بيع هذه الأشياء) وهذا قول الإمام وقالا لا يجوز بيع هذه الأشياء؛ لأنها ليست بمال متقوم وجواز البيع ووجوب الضمان مبنيان على المالية قال رحمه الله: (ومن غصب أم ولد أو مدبرة فماتا ضمن قيمة المدبرة لا أم الولد) وهذا عند الإمام وقالا يضمن أم الولد أيضا؛ لأنها متقومة عندهما كالمدبرة وقد ذكرناه والدليل من الجانبين في كتاب العتق لا يقال قد علم مما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب العتق أن أم الولد لا قيمة لها عند الإمام حيث قال وما لأم ولد تقوم فذكر أم الولد هنا لا فائدة له؛ لأنا نقول بل فيه فائدة؛ لأنه ثمة بين الحكم فيما إذا أعتقها الشريك فربما يتوهم شخص أن الحكم في الغصب يخالف ما تقدم فبين المؤلف رحمه الله أنه لا يخالف والله سبحانه وتعالى أعلم.
|